أقلامهم

خيرالله يعرض تساؤلات عن الخريطة الجديدة للشرق الأوسط

خيرالله خيرالله 

كم دولة جديدة على خريطة الشرق الأوسط الجديد؟

يمر الشرق الاوسط الممتد من المحيط إلى الخليج في مرحلة مخاض. في الإمكان القول، بكل راحة ضمير، ان الأوضاع لن تستقر في عدد لا بأس به من البلدان العربية وغير العربية في المدى المنظور، وأن الإقليم يتجه إلى أن تكون له خريطة جديدة لن ترى النور إلاّ خلال بضعة أعوام.

تتسارع الأحداث الإقليمية إلى درجة نكاد أن ننسى أن زلزالاً ضرب المنطقة في العام 2003، عندما بدأت الحملة العسكرية الأميركية على العراق. أدى الاجتياح الأميركي للبلد العربي الأساسي الذي اسمه العراق إلى نسف التوازن الإقليمي. انهار أحد أعمدة النظام الإقليمي القائم منذ العشرينات من القرن الماضي. كان لا بدّ من أن تكون لهذا الزلزال تفاعلاته التي ليس في الإمكان التكهن بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه. ما نشهده حالياً من تطورات، كانت إلى الأمس القريب أقرب إلى أحلام، أو كوابيس بالنسبة إلى بعضهم، ليس سوى مقدمة لما هو آت على المنطقة. 

على الرغم من أنه لا يمكن الحديث عن ثورة شعبية في العراق، بل إن التغيير فرضه التدخل الأميركي، لا يبدو صحيحاً أن الثورة التونسية هي التي أطلقت العنان للثورات العربية الأخرى التي بلغت أخيراً سورية بعدما فعلت ما فعلته في مصر وعصفت بليبيا ولا تزال تعصف باليمن. في الواقع، قبل أن تصل الأمور إلى ليبيا وإلى حدّ ما إلى سورية، حدثت مجموعة من الهزات، التي كان لا بدّ أن تكون لها تفاعلاتها على المستويين الداخلي والإقليمي.

بعد حرب العراق في العام 2003، شهدنا تفتت البلد العربي الكبير العضو المؤسس لجامعة الدول العربية. لا مفرّ من الاعتراف بأن النفوذ الإيراني زاد في العراق إلى درجة لم يعد في الإمكان تشكيل حكومة عراقية من دون ضوء أخضر من طهران. أكثر من ذلك، ظهرت على السطح الغرائز المذهبية بشكل لا سابق له. كان إثارة الغرائز بمثابة التطور الأهم على الصعيد الإقليمي منذ قرون عدة. صحيح أن نظام صدّام حسين كان مكروهاً من العراقيين الذين ذاقوا منه الأمرّين وكان خطراً على جيرانه كلهم، لكن اسقاطه بالطريقة التي اسقط بها فتح الأبواب أمام كل نوع من أنواع الفتن ذات الطابع المذهبي في العراق وحوله. خرجت الغرائز من عقالها. لم يعد هناك من مجال لضبطها، خصوصاً أن مصر كانت غائبة عن المشهد الإقليمي منذ فترة لا بأس بها في ظل انشغال القيادة فيها بالتوريث بدل ممارسة الدور المفترض بأكبر الدول العربية ممارسته على كل صعيد…

أفقد الزلزال العراقي كثيرين البوصلة. لم يكن اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من فبراير 2005 خارج سياق فقدان البعض للبوصلة وعدم استيعاب أن الشرق الأوسط دخل مرحلة جديدة لم تعد تنفع فيها سياسة الاغتيالات والغاء الآخر. من كان يتصور، على سبيل المثال فقط، أن الشارع السنّي في لبنان ومعه الشارع المسيحي والدرزي، يمكن أن ينتفض وأن القوات السورية ستخرج من الأراضي اللبنانية يوماً؟

لم يعد هناك بلد عربي واحد في مأمن من نتائج الزلزال الذي ضرب المنطقة. مرة أخرى، البداية كانت في العراق وليس في تونس. ثمة من سيسأل: ولكن، ما دخل العراق بتونس حيث تنتمي الأكثرية الساحقة إلى مذهب واحد، وما دخل العراق بليبيا حيث لا مشكلة مذهبية أيضاً؟ الجواب أن انهيار النظام الإقليمي نتيجة الزلزال العراقي كشف معظم الأنظمة العربية على حقيقتها، خصوصاً تلك التي ليست متصالحة مع شعوبها، كما كشف التناقضات العميقة داخل كل دولة من الدول العربية وحتى داخل إيران نفسها.

يظلّ الخطر الأكبر على مستقبل الوجود العربي في المنطقة، خطر إثارة الغرائز المذهبية الذي شجعت عليه إسرائيل دائماً، لكنها لم تستطع تحقيق أي نتائج تذكر إلاّ في الدول التي هيأت فيها الأنظمة العربية الأرض بدعم إيراني مكشوف. فتونس ستمر في مرحلة انتقالية تستعيد بعدها عافيتها. أما ليبيا ما بعد معمّر القذّافي وجماهيريته، فإنه سيوجد من يرتب اوضاعها، خصوصاً أنها دولة نفطية مهمة. أما اليمن، فهو مهدد فعلاً بالتقسيم لأسباب عدة من بينها التدخل الخارجي الذي صب في إثارة العصبيات الطائفية والمناطقية، فضلاً عن التجاذبات الداخلية طبعاً. لم يعد الرئيس علي عبدالله صالح نفسه يتجاهل خطر التقسيم، على البلد نفسه وعلى الخليج ككل، في حال عدم حصول انتقال هادئ للسلطة استناداً إلى الآليات الدستورية المعمول بها، ولو شكلاً.

من لديه أدنى شك في خطورة ما تبدو المنطقة مقبلة عليه، يستطيع أن يتساءل: ألم يصبح تقسيم السودان حقيقة؟ ألم يطالب أكراد العراق بالحصول على حق تقرير المصير في تاريخ لم يمرّ عليه الزمن؟ ألم يكن هناك تهديد لدولة البحرين وعبرها لكل دول مجلس التعاون؟ لولا القرار الجريء بدخول قوات «درع الجزيرة» المملكة الصغيرة لاستيعاب الوضع فيها ووضع حدّ للتدخل الإيراني الوقح المستند إلى إثارة الغرائز المذهبية بشكل مكشوف؟

مرة أخرى، ما نشهده حالياً ليس سوى بداية لمسلسل مشوق، بات معروفاً أن بدايته كانت في العراق، في حين ليس معروفاً أين ستكون النهاية أو متى ستسدل الستارة وتظهر الخريطة الجديدة للشرق الأوسط. السؤال كم عدد الدول الجديدة التي ستكون على هذه الخريطة؟