أقلامهم

الوشيحي: الوليد والخرافي في سجن طرة

محمد الوشيحي

الوليد والخرافي في سجن طرة

هانت… بقيت رتوش قليلة تُعد على أظافر اليد الواحدة لتنتقل بعدها مصر العظيمة من زريبة الوطن العربي، أو الوثن العربي كما أسماه الشاعر العراقي أحمد مطر، إلى رحاب الدول المحترمة حيث أوروبا واليابان وأمريكا التي هي محترمة إلا ربع. لمسات قليلة وتخرج مصر من السرداب إلى الأدوار العليا، وتتركنا، نحن العربان المزورين والمزورين (مرة بفتح الواو ومرة بجرّها من قفاها على الشوك كما يفعل الزعماء العرب بمعارضيهم) في أماكننا الرطبة والمظلمة نزاحم البكتيريا والجراثيم ونلوث بيئتهما. قريباً سنشاهد مصر الجديدة، مصر “بنت بنوت”، لا يطمثها إنس ولا جان. قريباً سيرتل المصريون بصوت واحد الآية الكريمة “اليوم أتممت عليكم نعمتي”.

والمتضرر الأكبر من هذا الانتقال، بخلاف عصابة الحكم السابق، هم التجار العربان الذين “استثمروا” في مصر، وجلّهم إن لم أقل كلهم من تجار الخليج العربي الذين يشفقون على “دراكولا”، ويبحثون عن فرص في الدول العربية القمعية المختطفة، مثل مصر سابقاً وسورية حالياً وغيرهما، حيث تنص اللوائح على “الرش والمهمزة” فقط لا غير، في حين أنهم عندما يستثمرون في أوروبا ينحنون على الطريقة اليابانية لقوانين الدولة هناك ولوائحها، ويعرفون أن “الله حق”.

والملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال – وأنا أكتب هنا للقراء من غير المصريين – هو أحد كبار المستثمرين في “مصر المحتلة”، أيام “أحمد عز” و”هشام طلعت مصطفى” و”حسين سالم” وبقية “إخوان كانَ” الذين ينصبون الخبر والمبتدأ وحروف الجر. ورغم إنني لا أعرف بقية مشاريع الوليد بتفاصيلها الدقيقة، إلا أنني أجزم وأذيع في نشرة أخباري في التاسعة مساء، أنه أحد أكبر “إخوان كان”.

الوليد استطاع أن “يتفاهم” مع الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي أحاله إلى أحد أبرز المسؤولين آنذاك، وزير الزراعة وأمين عام الحزب الوطني يوسف والي، صاحب السمعة المجارية (نسبة إلى المجاري أجلكم الله)، فتسلم الوليد “أرض توشكي” بمساحة مئة ألف فدان بدون أي شروط، وبخمسين جنيهاً للفدان (يعادل دينارين ونصف الدينار كويتي، أي وجبة ماكدونالد “ماك جيكين” وبيبسي بدون ثلج) حددها الوليد نفسه، وبدون أي حقوق للحكومة المصرية، ما أشعر الشعب المصري الحر بالإهانة البالغة! تفاصيل العقد مضحكة لا يمكن أن يوافق عليها حتى الأب لإبنه في ليلة عرسه، لكنها الطريقة العربية المعروفة في الإستثمار.

الآن، وبعد هذه الثورة التي هي بحق “خاتمة الثورات” في مصر (في الدول المحترمة، كما هو حال مصر اليوم، لا يثور الناس، ولن تسمع السويديون، مثلاً، يصرخون “الشعب يريد اسقاط النظام”، فتدهسهم مدرعات الأمن المركزي بحجة أنهم مدسوسون من قبل هولندا… أبداً، التغيير يتم عن طريق صندوق صغير شفاف اسمه صندوق الانتخابات)، أقول بعد أن تحرر المصريون وفتحوا صناديق الملفات، خرجت لهم الثعابين والعقارب، فقروا قتلها، فتحسس التجار العربان رقابهم وأرصدتهم.

ولو كنت أنا مكان الوليد بن طلال لوضعت طرف دشداشتي (أي جلابيتي) بين أسناني الناصعة البياض وخلعت خلعاً مبيناً، ولعرضت على المصريين معاهدة “سيب وأنا أسيب”، بدلاً من الإصرار على الاحتفاظ بتوشكي “المنهوبة”، الأمر الذي سيستدعي فتح تحقيق لن يكون من صالح الوليد عليّ الطلاق، بل قد تتطور الأمور وبدلاً من أن يتمشى في “مزارع توشكي” يُلقى به في سجن “مزرعة طرة”، والمزارع لا تتشابه.

صدقني يا ابن طلال ويا أبا خالد، اصمت صمتاً يعمي الآذان، على رأي يوسف إدريس، وامش على أطراف أصابع قدميك إلى أن تبتعد عن مصر، ثم اركز كراعك المبارك واهرب مشرق شمس، فرقصة المصريين هؤلاء تختلف كثيراً عن رقصة المصريين أولئك. “هؤلاء” يرقصون الآن رقصة الأحرار المنتصرين في الحرب، و”أولئك” كانوا يرقصون رقصة الغانية في بلاط السلطان… لا تلتبس عليك الرقصات، فالفرق شاسع.

أقول هذا وأنا أضع أصابعي خلف أذني لأتلقط أخبار تاجرنا الكويتي المعروف “ناصر الخرافي”، صاحب المشاريع التي لا تُحصى ولا تُخصى، ومنها “مشروع بورت غالب” المقام على أرض مصر… الخرافي الذي بات أحد أثرى أثرياء العالم برعاية حكومتنا، والذي ينظر إلى “عز وجرانة ومغربي وسليمان وهشام طلعت” مجتمعين نظرة برشلونة لنادي الصليبيخات الكويتي… أقول إنني أتلقط أخباره من صحف مصر، فصحافتنا تنتفض أمامه كما ينتفض العصفور المبلل تحت زمهرير الشتاء! هذا القيصر الذي تطأطئ أمامه الرؤوس وتخضع له الرقاب، ألعبان من الدرجة الفاخرة، يستوي على النملة بوضع اليد، ثم يحلبها إلى أن يجف ضرعها قبل أن يبيعها على الحكومة (دائماً على الحكومة) مستعملة بسعر خيالي، على اعتبار أنها حامل.

اللهم إنك تعلم أن ناصر الخرافي أقوى من مؤسسات الدولة عندنا في الكويت، وأنها (المؤسسات) تقاسمت مهام خدمته بينها، فهذه تسرّح شعره وتلك تتشرف بغسل قدميه والثالثة تخصصت بتدليكه ومساجه… اللهم فألهم المصريين ليفتحوا ملفات استثماراته في مصر وينتزعوا حقوقهم منه كما انتزعوها من أصدقائه أعضاء العصابة السابقة… اللهم واملأ سجن طرة باللاعبين الأجانب… آمين.