كتاب سبر

تأملات في واقع …..سيئ

تابعت كغيري ردة الفعل الرسمية المباشرة للدعوة لاعتصام الجمعة القادم عن طريق جهازها الأمني، و غير الرسمية عن طريق وسائل إعلامها المأجورة ( باعتبارها مؤسسات تؤدي هذه الوظائف بأجر ومستعدة لأداء خلافها بأجر أيضا) ، وهو أمر اعتادت السلطة القيام به، إذ أن أخطر السياسات العامة للدولة يتم تسويقها بل ورسمها أحيانا من قبل هذه القنوات التي حلت محل الحكومة في القيام بهذه الوظيفة  كما يبدو لي و للكثيرين ممن لم يعد هذا الأمر خافيا عليهم !. ومن هنا كان لي مجموعة من الملاحظات التي تسجل جملة من التناقضات التي لا يفترض أن تنسب لأجهزة الدولة الرسمية.  

فمن جهة فإن رد الفعل الأمني المبالغ فيه والذي يحمل معنا واضحا و إن كان غير مصرح به مباشرة، ومفاده أنه” تحت أي ظرف لا يجوز القيام بهذا التجمع” معللين ذلك “بالظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة”، أمر يتعارض مع الحد الأدنى لمتطلبات القبول بالممارسة الديمقراطية ومعايير الحقوق السياسية المعترف بها، كما أن العبارة المستخدمة “الظروف الدقيقة” هي ذات العبارة التي استعملتها قوى الأمن الداخلي التونسي في بداية الحراك الشعبي هناك.. وقد سائني بلا شك أن تستعين  وزارة الداخلية بعبارة سيئة قيلت في ظروف أسوأ، علاوة على ذلك لا نعلم حتى اللحظة ماهو السند القانوني الذي تستند له “الداخلية” في إيهام الناس بعدم مشروعية الفعل !!

و لذلك نود الإشارة ابتداء إلى أن حق التظاهر السلمي و الدعوة لاجتماع عام وحتى الدعوة لعصيان مدني و سواها من الوسائل، هي أدوات مقبولة ديمقراطيا إذ يعتبر أمرا طبيعيا أن يترجم اعتراض الرأي العام في درجة معينه إلى اجتماع عام و حشد عام و مسيرة عامة و تظاهرة عامة و عصيان مدني، وإلا نكون سلبنا الشعب أهم أدواته و فرغنا مبدأ السيادة الشعبية من محتواه و مضمونه، بل أن الدستور قد أكد هذا الحق الأساسي الذي تضمنته معظم الدساتير و مواثيق الحقوق فنص المشرع الدستوري في المادة 44 على هذا الحق و جاءت مذكرته الإيضاحية لشرح عناصر الحق و ضوابط تقييده ثم انتهى الأمر، بحكم المحكمة الدستورية “الشهير” الذي سطر مجموعة من المبادئ المؤكدة لمجموعة من الحقائق التي لا نعلم كيف يمكن إعمالها مع وجود حكومة تقرأ الأحداث معكوسة !!.. فقد تضمن الحكم مجموعة من المبادئ التي نعيد كتابة بعضها تذكيرا للحكومة و توجيها لها و منها ” إن المشرع لا ينشئ حريات و حقوق للأفراد بل يكشف عنها فحسب”، كما أن ضمان الحريات العامة يعد أداة لارتقاء الأمم و تقدمها و دعامة أساسية لأي نظام ديمقراطي” و أيضا ” إن مبدأ السيادة الشعبية ـ هو جوهر الديمقراطية و عمادها_لأزمه أن يكون للشعب – ممثلا بنوابه بالمجلس النيابي- الكلمة الحرة فيما يعرض عليه من شئون عامة، وأن يكون للشعب أيضا رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأي الحر، مما يغدو معه الحق في الرقابة  الشعبية فرعا من حرية التعبير و نتاجا لها، فلا يجوز و الأمر كذلك و ضع قيود على هذا الحق على غير مقتضى من طبيعته و متطلبات ممارسته، و مصادرة هذه الحرية أو فصلها عن أدواتها ووسائل مباشرتها، وإلا عد ذلك هدما للديمقراطية في محتواها المقرر في الدستور.. و كذلك ” إن الدستور و إن عهد في شأن تنظيم الاجتماعات العامة إلى القانون، إلا أنه ينبغي ألا يتضمن هذا التنظيم الإخلال بهذا الحق أو الانتقاص منه، وأن يلتزم بالحدود و الضوابط التي نص عليها الدستور، فإن جاوزه إلى حد إهدار الحق أو تعطيل جوهره أو تجريده من خصائصه أوتقييد آثاره أو خرج عن الحدود والضوابط التي نص عليها الدستور وقع القانون مخالفا للدستور..”  

خلاصة القول أن استمرار تذكيرنا للحكومة بواجب احترام القانون يقيم وضعا معكوسا، خصوصا إذا كانت الحكومة هي من يستخدم القانون لا باعتباره أداة تنظيم و إنما وسيلة للتهديد و الابتزاز و هو ما يفسر تطبيقها المخالف له في أحيان و تجاهل تطبيقه تماما في أحيان أخرى, لذلك فإنه لايمكن أمام مثل هذه الأوضاع أن يكون القانون هو الفيصل في علاقة السلطة بالحرية !! لأنه باختصار معيار غير مقبول من قبل السلطة.. فالحكومة التي لا تعترف بالقانون أصلا، لا يمكن لها أن تستند إليه لتبرير أعمالها، و كذلك فإن الأفراد اللذين فقدوا الثقة فيها لن يكونوا على ثقة من سلامة أعمالها.!