سبر القوافي

أهلي لو يدرون إني (شاعرة) ؟!


أهَلي يدرون إني شاعرة


بس ما يدرون عن جرح الليال 


يمنعوني من كتابة خاطرة 


ما دروني من زمان ابها المجال 


آه لو يدرون أني (( عابرة )) 


عندهم بتصير موتتنا حلال 


* عابرة سبيل 


كثير من الشاعرات عانوا حقد القيود الاجتماعية، وعيون المجتمع الضيقة التي تتربص بأخطائهن ، فالمجتمع قد ضيّق سلاسله على قلوب النساء وألسنتهن وأيدهن إلى أن اقتنعن بأن ذلك واجب عليهن و أن يسكتن ويرضين بالقليل كالإماء .. كثير منهن عشن للخدمة والسكوت فقط .. ولكن أي حرة من حرائر الخليج تعي تماماً معنى حقها و حجم حريتها وعظمة كرامتها .. وتعرف تماماً بأنها لو لم تتحدث وتطالب بحقها ستطمس وتدفن مشاعرها وتصبح كالآلة تشتغل دون إدراك لذاتها ، ودون علاقة تصل بينها وبين نفسها وتشرح لها ما تطلبه نفسها من حقوق.. .. و تتجرد من جميع ما يدور بخلدها وتعتبره مجرد وهم وأضغاث أحلام يقظة أو نوم ..فهي لا تعلم هل هم على حق أم ما يدور بخلدها وخلد جميع النساء بصمت.. بصمت خائف لا يمكن أن تنطق به خيفة نعتها بالفجور واتهامها بأنها سمحت لدخول الأفكار الجديدة المتحررة التي من الممكن أن تعرضها لفقدان أخلاقها وإيمانها وأحياناً وربما (رأسها).. هناك من ينظر لمن كتبت قصيدة بمحبوب تناجيه حتى وإن كان من نسج الخيال ، كالتي فجرت وزنت وكفرت، فليس لها طب إلا القمع والغطس بالوحل إلى الأبد .. خوف أولئك الشاعرات من أن يفصحن بأسمائهن سببه ذاك المجتمع الذي يرسى اسمها كأنه سوءة وعار لو فصح عنه .. فالحب والجرح والفارس وهفهفة القلب الطاهر لو صرحت به الفتاة بقصيدة وكتبت اسمها بكل شجاعة سيعتبرونها (عاهرة الورق) .. بينما الشعراء يصدحون بالغزل الناقض للوضوء والقاطع للخشوع بصوت جهوري بنفس المجتمع المسلم الذي يأخذ الدين ذريعة لكبح مشاعر المرأة.


عانت الكثير من الشاعرات الخليجيات من حجم السد الكبير الذي سد بين عقلهن وبين المجتمع، فالشاعرة تطمح الدخول للعالم بوجه واضح وتنشر أفكارها ورسائلها و تتعاطى مع المجتمع الأفكار والمشاعر والتطور .. تريد الحرية بطرح ما يدور بخلدها دون الخوف من أهل بيتها .. لذا كثرن الفتيات أصحاب العقول الكبيرة بنشر أفكارهن مع غض أبصارهن عن هوياتهن فتنازلن عن أسمائهن في سبيل الأدب والشعر .. فهم فضلوا أن يصعدوا ويحلقوا في سماء الأدب بتجاهل هوياتهن أن تعرف .. آثروا أن يطعمونا لذيذ فكرهن تحت اسم (فاعل خير) لكي لا تسن الذئاب أسنانها تبدأ بنهشهن .. فأقسى الذئاب يستوطنون منزال هذه الشاعرة وهم أول الوحوش التي ستخدش نواياها ويمزقون فكرها وينهالون على قريحتها تجريحاً..


مع ذلك فلكل عصر نهاية منيرة ونبض مضيء ، وكلما اتسعت الخطوات للأمام بدأ الضوء بالسطوع إلى أن يجهر عيون السفهاء الجهلة .. فهناك الكثير من الشاعرات مؤخراً خلعن رداء التخفي ومزقن أقنعتهن التي لا تمثل هواياتهن وتحد بينهن وبين قلوب وعقول جماهيرهن المتعطشين لحروفهن .. وظهروا أمامنا بفكر ينضج نوايا حسنة ورسالة جميلة للأدب الجميل بحرية مطلقة دون حواجز .. فالمثال الحي والجميل نراه بالشاعرة (ريمية) ، التي عرفت بذلك الاسم وقت طويل جدا بعالم الشعر ثم التي صرحت بأنها حصة هلال وظهرت لنا اسما وصوتا وصورة .. لأنها على ثقة تامة بأنها على صواب وعلى ثقة اكبر بأن العصر الذي تتخفى به الشاعرة انتهى ولابد أن ينتهي لباقي الشاعرات أيضاً ..


لم تقتصر قضايا الشاعرات على الحب والجرح والليل والرجل كما يزعمون ، فالشاعرات في الخليج عرفن بأن على عاتقهن قضايا أهم من جرح آدم الذي لا ينفك أن يجرح ويخدش ويتمرد .. فقضايا الشاعرات كثيرة وأولها حقوقهن … فالشاعرة اشتياق الناصر تعي تماما بأن من سلبها حقوقها .. قد سلبها الكثير ولم يكتف على منع من قيادة السيارة ، فهي على يقين تام بان أغلب حقوقها مسلوبة من هذا المجتمع الذي يدعي حمايتها بحجة الخوف على شرفها ألا يخدش وعقلها لا يتعلمن ففضلوا قمعها ودفنها .. لأنهم خافوا من أن تتفتح عقول الفتيات من حولها ثقافةً ، فمشوارها طويل وصعب في معركة حقوقها وخاصة الفتاة الخليجية ، تقول:


” مو مسأله من خسر وإلا من الغالب


مادام هالمجتمع…ما حقق آمالي


ليته على قيادة السياره أطالب


لا والله ألا حقوقٍ مالها تالي ! “


… أما مريم الزعبي فقد ضاقت ذرعاً لكون المرأة هي المحور الأساسي لعادات وتقاليد مجتمعها البالي وضاقت لكونها هي المصدر المثير للشك من قضايا الشرف والأخلاق والآداب واختنقت لكونها يجب أن توأد أفكارها خشية البعبع المشهور بــ ( ثقافة المرأة ) فهذا البعبع لا يرعب إلا جهلاء بيئتها … هنا مريم تطالب بحق مشروع وهي تعلم حدودها الشرعية ولم تخالف دينها ..فهي تنتقد قفزهم بين الحينة والأخرى على شؤونها وحقوقها الطبيعية، وهي تعلم أن خوف المجتمع ينبع من أنانيته خشية صعودها لمكان رفيع هو السبب الرئيسي لمثل هذه الهجمات : تقول مريم الزعبي:


” هذي حقوقي ترى ما أبغى زياده


ما منعني الشرع لا ما تمنعوني


ودامني حرّة على كرسي السياده


دوّروا موضوع غيري واتركوني .! “


وأيضاً الإنسانة الشاعرة بشاير العبدالله في حديثها عن كتابة المرأة من مقالة ” نمو الإبداع” تصف فيها كتابة المرأة : ( أن كتاباتها قد تكون وسيلة للبوح وإفراغ عاطفتها على الورق, كرفض أمر ما تعتبره ظلما لها في المجتمع..أو أن تعيش قصة حب على ورق كان يرفض المجتمع أن تعيشها في الواقع!,قد تكون قليلا ما تخرج إلى نطاق البوح والمشاعر ورفض أو قبول أمر ما في المجتمع!!


إن العقلية العربية بالتحديد ..تنظر للمرأة في منظور جاهليّ في الغالب وإن تحسّن قليلا فكر المجتمع العربي أو الخليجي على وجه الخصوص اتجاه المرأة , إلا أن النظرة مازالت توجه للكاتبات فكل كلمة تُكتب قد تُحسب على أنها فسق أو جرأة تصل لوقاحة توصم بها المرأة الكاتبة). بشاير التي لا تكتب إلا بحروف من زلال نقيّة وطاهرة .. تعاتب بقعتها بالحزن الأزرق .. وتحكي بكل جرأة وكبرياء حرة قصة كل فتاة في القبيلة وكيف أصبحت آخر طبقات تلك القبيلة من جهد الطمس والدفن ، فهي تعلم ونعلم بأن ما يقال من مراضاة للمرأة هو مجرد كلام في كلام؛ بأنها أم المجتمع وأم الأبطال فاقبعي بمنزلك لتصوني شرفك و و و.. وكل هذه الكلمات لو تفكرت بها من تقبع بمنزلها صامتة من دون رأي ولا فكر هو مجرد تشكيك بأخلاقها وتشكيك بعقلها وبقدرتها على صون شرفها وحماية نفسها بل تحقير تام لأفكارها وطموحها ،،،، كل هذه كلمات وذرائع ذكورية من مجتمع أناني يعترف بخطيئته بشكل يثير الغثيان ، تقول بشاير بوصف هذا الحزن :


” في جيدهن حبل من مسد 


خارجات من اعراف قبيلة تقطن السماء


فرُجمن بالألمِ أحياء


ولعنة تتنزل بهن إلى أرض الصمد


يتخلقن من جديد 


في كل بقاع الأرض


والأنثى واحدة أحد ..! “


فالكثير هم الشاعرات الواعيات الواثقات بان الشعر رسالة يترفعن به ويرفعنه ، اللاتي لم يخفن صغائر العقول بأن تتحدث عليهن أو تفكر لحظة بنوايا حديثهن لأن تلك العقول لا تستحق الاعتبار والتفكير بها ..


وبالمقابل الكثير أيضاً من شاعرات البيوت ، اللاتي ينشرن عبير عشقهن الطاهر وشذى فكرهن الرقيق المترفع تحت تلك الأسماء المستعارة .. فهن صاحبات تأثير كبير جدا ، لو كل شاعرة منهن تحدثت عن حقوق بنات جنسها .. أقول لهن تحدثن ولا تخشين بأن هويتكن مجهولة وملامحكن تغطيها الأقنعة ، فأقنعتكن شفافة تشع .. اظهروا أفكاركن تحت أي اسم .. ادخلوا وأنيروا ذلك البيت المظلم .. تسربوا من أي شق .. أشرقوا على ذلك المجتمع طهروا عقول النساء فيه قبل الرجال .. تحدثوا عن أنفسكم عن ما يجول بخاطركم وخاطر النساء.. عن قمعكم .. عن الخوف من نشر ما تفيض به قريحتكم .. عن الأدراج التي تخبئ كوم القصائد خشية يقرؤها أهلكم .. أشرقوا بكلماتهم الواثقة العاتبة ولا تعيروا صغائر البشر ولو ( سلهمة) ..


* إضاءة ليست[ خافتة] :


* لا تنتظرني أيها السؤم الاجتماعي المقلّد بالعادة والتقليد ، أن أزمّر معهم ..


فقط أنت من أرجعهم إلى التخلف والوراء المقنع بالعُرف ..


فقط أنت يا مجتمع السؤم أو سؤم المجتمع ، 


من يصفق لامرأة رعناء لا تعرف حقها 


ويطبل لرجل متسلط


لا يعرف شرعه إلا من الناحية التي يحبها ..


وهي لا تعرف شرعها إلا من الناحية التي يحبها هو أيضاً . .


هل لنفسك عليك حق أم ماذا؟


أم هذا ما يسمونه جهاد المرأة ، بينما هو عليه تفجير نفسه باللذة وإطفاء حريق شهواته !


….. 


مشاعل الفيصل 


@Negative87