كتاب سبر

كوبونات الرئيس

ناشر جريدة سبر الزميل سعود العصفور.. وأولى مقالاته:

كوبونات الرئيس

بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم، ووضع العراق تحت مظلة الأمم المتحدة من خلال الحصار الاقتصادي الذي فُرض على نظام صدام حسين، طفت على سطح السياسة الإقليمية والدولية ما سميت آنذاك بـ “كوبونات النفط”. كوبونات سوداء تغوص في سواد، فالمنتَج الذي تتعامل به أسود اللون وهو النفط، والسوق التي يتم تداولها فيها هي السوق السوداء، وفعل أصحابها أسود مثلما هي ضمائرهم، فقد كانت تصرف لمن يمتدح النظام الديكتاتوري في بغداد، ولمن يدافع عنه في الإعلام والمنابر الدولية، وكانت عبارة عن “كوبونات” لبيع حصص من النفط العراقي تصرف لكل متزلف ومتسلق وأجير يرفع راية الدفاع عن جرائم صدام حسين ورفاقه، وقد امتدت خارطة توزيعها من كوريا الشمالية حتى فنزويلا وتشيلي مروراً بالهند وباكستان ودبي والدوحة وصنعاء وعمّان ودمشق والقاهرة والدار البيضاء. 

انتهى صدام ونظامه وغادر الدنيا غير مأسوفٍ عليه ولا على “كوبوناته”، ولم يتبقَّ منه إلا ذكرى “أيتامه” وبقايا مبعثرة للبعث العراقي هنا وهناك، ولكن ظاهرة “الكوبونات” لم تنتهِ، وكل فسادٍ لا بد وان تكون له كوبوناته الخاصة وفلسفته الكوبوناتية التي تميزه، وعصر سمو الرئيس عصرٌ مميز لذلك كان ولا بد لكوبوناته أن تكون مميزة مثله. 

في البداية كان في الأمور قليلٌ من “الدفاشة” وسوء التخطيط، وكان التوزيع شيكات وبزمات وبخور وأبوام، حتى قلب النائب البطل فيصل المسلم الطاولة على المقامرين بأموالنا العامة، فغطى وجوه المفسدين الحياء خوفاً وخشية، ثم عادت الكوبونات مرة أخرى إلى الواجهة، ولكن بصبغة أغلبها “أبيض” وليس فيها من السواد إلا سواد وجوه أصحابها والمشتركين بها. فهي بيضاء بياض أسرة المستشفيات التي تحتضن المرضى.. بياض “الشاش” القطني الذي يلف أجساد المحتاجين والمصابين في بلد عجزت حكومات سموه السبع عن تطوير مستشفياته، ورغم كل هذا البياض إلا أنها “سوداء” سواد فعل من جعل حاجة الناس للعلاج لا تمر إلا على جسد الأمة وحقوقها ومكتسباتها وبرلمانها!

سموه يشتري إرادة الأمة من خلال مرضاها.. وسموه يسرق قرار الشعب من خلال عجز أبنائه.. وسموه يصادر حق الأمة في محاسبته من خلال مساومة النواب على علاج مرضاهم. تلك هي “كوبونات سموه” وذلك هو “الوجه الإنساني” الذي حاول إعلامه المتواطئ تسويقه لنا طوال سنوات خمسٍ مضت، فهو الطيب المسكين المسالم الإنساني الرحيم المتعاطف، وهو الذي يزور والدة المغدور ويجبر خاطر أرملة المصاب، وهو “أكرم أبناء الأسرة”، وأسخاهم يداً، وهو المعطي الواهب النافع. هو كل ذلك، بل هو أكثر من ذلك، هو الذي يوقف العلاج في الداخل وفي الخارج حتى يقف النواب على باب ديوانه طوابير ليتوسطوا من أجل مرضى الكويت.

لا أعلم على من يضحك سموه، وعلى من يبيع هو ووكيله قصصه ورواياته؟ يقول الوكيل الركيبي رداً على النائب شعيب المويزري بالنص: “اللجنة الطبية الخاصة بسموه لا تقر إيفاد أي حالة سوى الحالات الحرجة التي لا يوجد لها علاج في البلاد وتكون مدعومة بتقارير طبية موثقة من وزارة الصحة تؤكد ضرورة علاجها بالخارج” وهنا انتهى الاقتباس، وبدأت الكارثة والمصيبة والضحك على الذقون، فإذا كان سموه ووكيله يعلمان ما يقولان فتلك والله مصيبة، وإذا كانا لا يعلمان فتلك والله مصيبة المصائب وكارثة الكوارث!!

إذا كانت حالة المريض حرجة، ولا علاج له في البلاد، وتقاريره من وزارة الصحة تدعم ذلك، فلماذا لم يتم علاجه في الخارج على حساب وزارة الصحة من دون الحاجة إلى تدخل سموه و”منّة” وكيله؟! لماذا يحتاج المريض وأهله إلى إذلال أنفسهم من أجل أن يستمر سموه في منصبه؟ ولماذا يحتاج المريض وأهله إلى توسيط النائب الفلاني أو الشيخ العلاني من أجل استمتاع سموه بيوم آخر في قصر السيف؟؟ أتعلمون لماذا؟ لأن هذه هي كوبونات سمو الرئيس وهذا هو جواز بقائه في منصبه ندفعه من مالنا وصحتنا وحاضرنا ومستقبلنا، وقبل ذلك كله من سمعتنا كشعب!

علاقتنا بالجوار الخليجي مهمة، وأموالنا العامة في زين وغيرها مهمة كذلك، لكن أتعلم يا سمو الرئيس ما هو الأهم من ذلك كله؟ وما هو الذي يستحق صعودك المنصة من أجله، اليوم قبل الغد، إنه رد وكيلك على النائب شعيب المويزري، الذي أعترف فيه أن من يستحق العلاج لا يجده في بلده ولا في خارجه، وأن من تعجز مستشفياتك الخربة عن علاجه لا أمل له بعد الله إلا في لحية نائب أو بشت شيخ، ذلك ما يجب أن ترحل من أجله، وأن تغادر منصبك الذي أوصلت الكويتيين من أجله إلى هذا الحد البائس. لقد أوصلتهم إلى الاختيار ما بين الحياة بـ”كوبوناتك” أو الموت بـ”كرامة”!