سبر القوافي

” أنتن يا شاعرات مهزومات “..

“أنتن يا شاعرات مهزومات”..


علي المسعودي 


   أعتقد بأن علي المسعودي يقصد بها أن يهاجم المجتمع، الذي جعل الشعر حكراً على الرجل، والمدح حكراً على الرجل، والهجاء والرثاء والحب والتوجّد وأي نوع من أنواع الشعر والمشاعر حكراً على الرجل، والإبداع وكل ما تنتج الروح من جمال حكراً على الذكر.. ذلك المجتمع الذي صفق لشاعر يتغزل بشعر يخدش حياء البدن وتغرق بعرقها الوجوه بسببه بكل لطافة وإعجاب، يهاجم في الوقت نفسه أي شاعرة تتغزل حتى لو بزوجها غزلاً طاهراً وجدانياً يصف المشاعر فقط، وليس فاحشاً يصف الجسد و ميلاته.. فما بالهم لو تحدثت كما يتحدثون.. ذلك الشاعر الذي يهيم ويذوب تحت أقدام محبوبته، ويرتجف قلبه مع رجفة فستانها، وينكسر لانحناءة خصرها.. يطير فرحاً عندما تحادثه معجبة، وربما كانت قصيدته الجديدة بجمال نبرة صوتها.. ذلك الشاعر الحساس يرفض ببسالة وبطولة الجلوس بمنصة واحدة مع شاعرة، لماذا ؟؟! مستوى شعره كرجل لا يسمح له مساواته بامرأة..!! هل يعرف ذلك الشاعر بأن الشعر لا يكتبه إلا الإنسان، الإنسان فقط عندما يتجلى بأحاسيسه ويرتقي من نقاء إلى أنقى، تلك الحالة أشبه بالسكر والغوص بالطهر والارتقاء للأعلى، وتجرد النفس من الشرور.. تلك حالة تسمى البوح.. كيف لذلك الشخص أن يقع في وحل نفسه الدنيئة ونفس مجتمعه.. هؤلاء ليسوا شعراءً، بل مستشعرون.. يعتقدون بأنهم شعراء، هم في الواقع مقلدون لا أكثر.. يريدون تصفيق الذي حرك شهواتهم وأسال لعابهم بخصر تلك ونحرها و و و.. فالشاعرة لم ترَ منهم استنكاراً لما تكتب فقط.. بل النظرات العنصرية الذكورية ترى بأن المرأة لا يمكنها الإبداع؛ فكثير منهن يستسلمن ويقطعن أوصال مشاعرهن؛ لأن المجتمع على حق.. على العكس، فالمجتمع أنتم الذين تصنعونه، هو لم يصنع أحداً، ولم يأخذ حقَ أحد، أنتم لبناته، وأنتم من يكوّنه.. يجمّله أو يزينه.. والإبداع ليس حكراً على الجنس أو اللون أو النوع او القبيلة.. الإبداع مقتصرٌ على الحالة التي قبله الحالة النادرة التي يكون بها الإنسان.. الظروف التي هيأت له خروج مشاعره بهذا الشكل.. الصعاب لايواجهها الرجل وحده.. فحياة المرأة العربية الاجتماعية أقسى وأمر.. عذابها أقوى مرتين؛ لأنها تعاني لإثبات موقفها وتبذل جهداً أكثر لتكون في أكمل وجه، لكي لا تُنتقد.. فلا تستطيع أن تهين أو تلين.. إن كانت تريد الصعود بل بطاقة مضاعفة تستطيع أن تصل لهدفها فمعوقاتها كثر.. وأولهم بيتها.. الذي يراها ربته وفقط، وليست ربة نفسها.. بل نفسها ليست لها، وطموحها ليس لها وكيانها اختير مسبقا لها.. فمن الطبيعي أن تكون هذه النظرة للشاعرة.. غير معاناتها التي تكتب لأجلها وتصفها بشعرها، هي الآن على مرحلتين ما قبل الإبداع الخوف منه، واللجوء إليه، للبوح الصريح الخجول.. فإن تكلمت الشاعرة عن الحب نادراً ما تتكلم عن الغزل.. وأقصد هنا بالغزل محاكاة الجسد وليست محاكاة القلب.. لذا الشاعرات ينطوين بالقصيدة بنصف تصريح؛ لما بهن.. محاكاتها لقلبها تكون مغلفة بألف رمز وحد.. أما الشاعر، فباستطاعته أن يفكر بصوت عالٍ أمام الجمهور، دون خجل أو استنكار.. فلو أتى أحد وقال حرام شرعاً على المرأة أن تتغزل برجل، سأرد عليه: محرم عليهم جميعاً، وإن أتى آخر وقال جمال المرأة بحيائها: سأرد عليه بأن الحياء زينة لهم الاثنين، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “الحياء شعبة من الإيمان”، لم يقل إن الحياء للمرأة فقط، بل قال الإيمان والإيمان للذكر والأنثى.. وإن قال أحدٌ الرجل حر، فسأرد عليه بأن: الحرية للجميع..


مشاعل الفيصل


@Negative87