آراؤهم

الأمة بين علماء يقبلون يد السلطان وعلماء يرفضون أن يقبل السلطان يدهم!!

كلما حاق بالأمة خطب وأحدقت بها النوازل والمحن لجأ الناس إلى علماء الأمة يستنصحونهم ويستلهمون من مواقفهم العزيمة والثبات والصبر على الشدائد حتى يكشف الله عنهم هذه الغمة ويزيل عنهم هذا البلاء الذي حط ترحاله في بلادهم، وما أحوج سورية اليوم، وقد نُكبت بحاكم سادي أعلن الحرب على الله وعلى عباده، فقتل وذبح وشرد ونشر الفساد وحاصر المدن وأهلك الزرع والضرع والحجر والشجر، واستباح حرمة بيوت الله والعباد.. ما أحوج سورية إلى عالم يصدع بقولة الحق لا يخشى في الله لومة لائم يقف في وجه هذا السلطان وقفة شموخ وعز وإباء لا يخاف سطوته ولا جبروته، يصدح صوته بالحق في وجهه غير هياب أو آبه بما قد يُفعل به، وهو واحد من هؤلاء الذين ذبحوا وعذبوا وأهينوا وليس بأحسن منهم فهم وهو من أب واحد وأم واحدة والفيصل بين الجميع التقوى والعمل الصالح (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).

هل عقمت أمهات أحفاد خالد وأبي عبيدة وعكرمة والقعقاع أن يلدن أمثال الشيخ العز بن عبد السلام الذي وقف وقفة شموخ وتحدي بوجه السلطان الكامل الأيوبي فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، ولم يكن موقفه أقل جرأة عندما تولى السلطان الصالح إسماعيل مقاليد الحكم في دمشق، الذي تحالف مع الصليبيين، وأعطاهم بيت المقدس وطبرية وعسقلان، وسمح لهم بدخول دمشق، فلم يرضَ الشيخ العز بن عبد السلام بهذا الوضع المهين، فهاجم السلطان في خطبه من فوق منبر المسجد الأموي هجومًا عنيفًا، وقطع الدعاء له في خطب الجمعة، وأفتى بتحريم بيع السلاح للصليبيين أو التعاون معهم، ودعا المسلمين إلى الجهاد.

غضب السلطان الصالح إسماعيل، وأمر بعزل العز بن عبد السلام من إمامة  المسجد الأموي، ومنعه من الفتوى والاتصال بالناس، ولم يكتف بذلك، بل منعه من الخروج من بيته، فقرر عز الدين الهجرة من (دمشق) إلى (مصر) فلما خرج منها

ثار المسلمون في (دمشق) لخروجه، فبعث إليه السلطان أحد وزرائه، فلحق به في نابلس، وطلب منه العودة إلى دمشق، فرفض، فقال له الوزير: بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وإلى ما كنت عليه وزيادة أن تنكسر للسلطان، وتعتذر إليه وتقبل يده لا غير.

فقال العز بن عبد السلام: والله يا مسكين، ما أرضى أن يقبل السلطان يدي، فضلاً عن أن أقبل يده، يا قوم أنتم في وادٍ وأنا في وادٍ.. الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به، فقال له الوزير: قد أمرني السلطان بذلك، فإما أن تقبله، وإلا اعتقلتك، فقال: افعلوا ما بدا لكم!!

العز بن عبد السلام لم يبع دينه بدنياه كما يفعل بعض علماء الشام اليوم الذين كانوا عوناً لجبروت الحاكم الباغي وطغيانه.. الذين يسوّقون فعاله الشنيعة بليِّ عنق الآيات والأحاديث النبوية الشريفة خدمة لأغراض هذا الحاكم السادي وتبريراً لجرائمه، ويصدرون الفتاوى التي تسهل عليه ارتكاب الفواحش والموبقات والمظالم والأحكام الجائرة، ويحللون ويحرمون ويلغون بعض الشعائر الدينية وتأديتها حتى لا يعرقلوا على هذا الحاكم ارتكاب المزيد من الجرائم.

فقد نشرت جريدة الثورة السورية الرسمية يوم 22 تموز الحالي أن وزارة الأوقاف السورية توجهت بدعوة لموظفيها من المشايخ والخطباء في دمشق إلى اجتماع في الجامع الكويتي يوم الأربعاء 13-7-2011، وقارب عدد الحضور 25 شيخ وخطيب، كان من أبرزهم د. محمد سعيد رمضان البوطي، ومفتي الجمهورية د. أحمد حسون، وعبد الستار السيد وزير الأوقاف، وعدنان أفيوني مفتي دمشق وريفها، والشيخ الجليل كريم راجح، والشيخ رشيد قلم وغيرهم، أفتتح المجلس بكلمة لمفتي الجمهورية د. الحسون أشار فيها لأهمية الإنسان، ومكانته… خلص منها إلى وجوب مساعدة الناس والتخفيف عليهم في هذا الحر وعليه اقترح فضيلته!! أن لا يصلي الناس التراويح في هذا العام بسبب الحر!! رد عليه الشيخ كريم: أن التخفيف يكون في عدد الركعات وليس عدم الصلاة مطلقا!!  فما كان من المفتي إلا أن أفصح عن الهدف من منع صلاة التراويح لا نريد للناس أن تخرج في مظاهرات، كما تحدث عن الفتنة وخطرها أنه بإلغاء صلاة التراويح يكون قد قدم المصلحة على المفسدة المتحققة بخروج المظاهرات وسفك الدماء… فجاء رد الشيخ كريم: أن الأولى أن يتوجه بكلامه للأمن الذي يستبيح دماء الأبرياء، انتهى النقاش وأعقبه كلمة لوزير الأوقاف عبد الستار السيد الذي أعلن خلالها بشكل قاطع قرار وزارة الأوقاف إغلاق المساجد في رمضان هذا العام!! وانتهت الجلسة بقول للشيخ رشيد قلم: سنصلي التروايح ولو في الشارع ثم انسحب جزء من الحضور معربين عن رفضهم لقرار وزارة الأوقاف.

هؤلاء العلماء المقوسي الظهر الذين باعوا دينهم وجثوا على ركبهم يقبلون يد السلطان لأجل دنياهم إرضاء للباغي وتغطية لجرائمه وفسوقه، هم من ابتليت بهم الشام كما ابتليت بحكامها الساديين الذين يشتركون معاً كل منهم باختصاصه، في ذبح السوريين اليوم الذين ثاروا على الظلم الذي حاق بهم وتقلبوا على جمره وتجرعوا مرارته لنحو خمسين عاماً، فلكم الله يا أهل الشام فهو كافيكم شر هؤلاء الشركاء ومنزل سكينته عليكم وناصركم عليهم، لأنكم في ثورتكم تنصرون الله ودينه، وقد بشركم بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).