اقتصاد

في إجابته عن سؤال طرحته ((سبر))
جاسم السعدون: المستقبل للشرق.. ولا خوف على اقتصاد أمريكا أو منه إلا إذا..

بعد خفض التصنيف الائتماني الأمريكي، ونتيجة ارتفاع غيمة القلق واتساعها، توالدت الأسئلة الكابوسية: ما علاقة ما يحدث في أمريكا باقتصاديات المنطقة؟ هل ستتأثر أسعار النفط؟ وماذا عن السيولة النقدية وهل سيؤدي ذلك إلى عجز حكومي مستقبلي عن تأمين رواتب الموظفين؟ وماذا عن أسعار العقار؟ وأسئلة أخرى شبيهة..


سبر جمعت هذه الأسئلة ووضعتها على طاولة أحد أبرز الاقتصاديين في المنطقة السيد جاسم السعدون، رئيس مجلس إدارة شركة الشال للاستثمار، واختصرتها في سؤال عام شامل هو: 


ما الذي يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية؟ وما خطورته ومدى تأثيره المحتمل على دول الإقليم؟


وكانت إجابته كالتالي:


 


خلال أسبوعين أو  نحوهما، تعاقبت على العالم أحداث، لو أن ما حدث كان أحدها، أو حتى أكثر، ولكن في ظروف عادية، ما شعر بها أحد، ولكن الحساسية الشديدة للأوضاع، تضاعف أثر أي حدث. فالعالم عاصر أزمة انفجرت في سبتمبر 2008، لم يحدث مثلها منذ عام 1929، وقبل أن يتعافى، اتضح بأن نموذج الأعمال المغامر – الإسراف الشديد في الاقتراض- والذي كان عود الكبريت فيها “ليمان برذرز”، لم يكن حكراً على الشركات، وإنما طال الدول، ومن أمثلتها إيرلندا واليونان والبرتغال، وإيطاليا واسبانيا، ومؤخراً الولايات المتحدة. يضاف إليها الضربات الثلاث التي تعرضت لها اليابان –ثالث إقتصادات العالم-، الزلزال والتسونامي والانصهار النووي، وفاقم من أثارها أحداث الربيع العربي، الحاضن للنفط، ومصدر إمدادات الفائض فيه.


 


وعودة إلى السؤال، خلال أكثر قليلاً من 30 سنة، تم رفع سقف الدين الأمريكي نحو 70 مرة، وارتفع الدين العام من أقل من تريليون واحد في عام 1979، إلى 14.3 تريليون قبل أسبوع واحد، ولم يلحظ أحد أي تأثير. وما حدث قبل أسبوع، جاء مضخماً ومؤثراً، لأنه جاء بعد الخوف من لحاق إيطاليا ثم إسبانيا بدول أوروبا الصغيرة –إيرلندا واليونان والبرتغال- في العجز عن الوفاء بالتزاماتهما، ويمثلان ثالث ورابع أكبر إقتصادات منطقة العملة الأوروبية الموحدة، وتبلغ ديون إيطاليا وحدها نحو 1.8 تريليون يورو أي نحو 120% حجم إقتصادها، أي نحو 4 أضعاف حجم صندوق الطوارئ الأوروبي. وفي تطور درامي، عالج سياسيوا الولايات المتحدة من الحزبين قضية رفع سقف الدين الأمريكي بتخلف يستحق درجة الامتياز، لأن آخر ما يحتاجه القرار، هو سياسة حافة الهاوية من حيث التوقيت –تأخير العلاج حتى آخر يوم-، والإثارة في ظل حساسية أوضاع العالم الاقتصادية بعد سلسلة الأحداث المذكورة. في مثل تلك الظروف، يصبح صدى الحدث وتداعياته أكبر بكثير من حقيقة تأثيراته المحتملة، وأحياناً  يؤدي الهلع وحده إلى تحقق أزمات ذات تكلفة عالية، دون تبرير من عقل أو منطق.


 


 وخفضت وكالة “ستاندرد أند بورز”، وهي واحدة من ثلاث وكالات تصنيف عالمية، التصنيف السيادي للولايات المتحدة درجة واحدة، ورغم تخفيضه من وكالة واحدة وبدرجة واحدة، إلا أن أثره النفسي كبير. فقد جاء في ظروف حساسة، لأكبر اقتصاد في العالم – ربع الاقتصاد العالمي- وأكبر مقترضي العالم، وصاحب عملة الاحتياط العالمي. ويحدث ذلك للبلد الذي حافظ على أعلى تصنيف خلال الكساد العظيم -1929 وما بعد-، والحرب العظمى الثانية، وحربي كوريا وفيتنام، وخروجه عن قاعدة الذهب في عام 1971، وركود سبعينات وثمانينات القرن الفائت، بما يوحي بأن ما يحدث الآن أخطر من تلك الأحداث الجسام. ولكنه، أي ما يحدث لأمريكا، ليس أهم الأحداث، ولا الاقتصاد الأمريكي على المدى القصير إلى المتوسط في خطر حقيقي، ولا خيار للعالم الآخر، سوى دعم تعافي الاقتصاد الأمريكي الذي يشتري النفط العربي والسلع الصينية والهندية، ويظل وضع الولايات المتحدة الأمريكية أقل  خطورة من وضع منطقة اليورو، أي دول العملة الأوروبية الموحدة. وحتى يمكن تفسير التخفيض من زاوية أن وكالات التصنيف الائتماني، فقدت الكثير من صدقيتها بسبب دورها السلبي في صناعة أزمة عام 2008، وجزء من خفض التصنيف –للولايات المتحدة وغيرها- يقرأ من باب التشدد غير المحايد من أجل استعادة صدقية فقدت.


 


ويفترض في أن يكون أثر الأزمة محدوداً على دول الإقليم، مثل انخفاض أسعار أصولها الخارجية، أو انخفاض صغير في أسعار النفط، ولكنها تبقي في مأمن من اضطرارها إلى تسييل تلك الأصول، في زمن فيه أسعار النفط فوق الـ 100 دولار، وموازنتها تحقق فوائض، ولديها طبقة من الشحم في أصولها السائلة تراكمت منذ طفرة أسعار النفط في بداية القرن الحالي. ويبقى هناك احتمال ضعيف جداً، أن يتحقق “سيناريو الكارثة”، فقد تنفجر الأوضاع الأوروبية، أو يقوم سياسيو الولايات المتحدة بالإقدام على محاولة الانتحار بالاختلاف الجوهري قبل الوصول إلى اتفاق بتخفيض الإنفاق بحلول نوفمبر القادم. ذلك يعني تكرار تجربة عام 1929 التي قادت العالم إلى كساد إستمر حتى انتهاء الحرب العظمى الثانية في عام 1946، وربما كانت الحرب أحد سيناريوهات الخروج منه. وحينها لن تكون سندات الخزانة الأمريكية أكبر الخاسرين، وإنما أسعار النفط وإنتاجه وأسعار كل الأصول وفي كل العالم، ولكنه لن يحدث. ولعل أهم ما يمكن قراءته من تلك الأحداث، بأنها بداية لعقدين من الزمن، يتم فيها تطور بطئ باتجاه انتقال الثقل الاقتصادي من الغرب إلى الشرق. أو العودة إلى وضع ما قبل ثورة الغرب الصناعية، ولكن بشراكة أكبر بين الطرفين، مع ميل أكبر لصالح الشرق، أي أن المستقبل للشرق.