سبر القوافي

غاده السمان VS توفيق الحكيم

يقال إن النساء في جزيرة (دومنيكا) يتحدثن بلغة تختلف عن لغة الرجال، وهذه المعلومة أثارت استغراب كثيرين.. ربما أعذر كل من استغرب في العالم وخارج العالم إلا أبناء الوطن العربي الأعزاء..  فالوطن العربي فيه الرجل يتحدث بلغة تختلف عن لغة المرأة، وكلاهما لديه الأفضلية القصوى بمنظوره، وأنه هو الجانب الأصح، وإذا تظلم هو المظلوم، وإن تكلم هو المخنوق، ولا نعرف أياً منهم صادق! .. فقصة الرجل والمرأة كقصة الدجاجة والبيضة و من أنجب الآخر هل البيضة أتت من الدجاجة أم الدجاجة أتت من البيضة.. و هل الرجل سبب قمع المرأة أم الرجل والمرأة مظلومان على حد سواء، أم كلاهما مذنب.

أثارت استغرابي مقارنات تدور بخلدي عما يقوله توفيق الحكيم وما يناقض معه، وما يتصارع معه طيلة حياته عن المرأة وأمام توازن غادة السمان و وقارها وعقليتها الفذة و لو أنها متحمسة بعض الشيء والأول أقرب ما يقال عنه قامع أو محرض على القمع، فهو يعترف بعظمة المرأة ويخاف من خروج هذا العظيم للميادين؛ لكي لا يأكل الجو عليه، فهو يرى بأنها ند عظيم طاغية مستبد لو دخل على أرض (رجل ما) يعيث بها فساداً لا مُصلح له، يقول الحكيم توفيق:” المرأة الجميلة هي عدو الرجل المفكر” و يسميها ” المرأة المدججة بالسلاح وهو الجمال، وجل همها سلب الرجال! وأن الرجل قد يعيش لعمله أو لفكرته، ولكن فكرة المرأة وعملها هو البحث عن الرجل الذي تسلبه لحظاته وكل حياته” فالمرأة الجميلة بنظره سارقة و مخربة ولا يقصد هنا المثقفة او القبيحة أو ربة المنزل المختبئة بمنزلها والمكافحة بالظلام.. بينما المرأة العظيمة برأيه هي (المرأة الآلة) التي تساعد زوجها ببيض أيامه وسودها، والاهتمام بأبنائه و تربيتهم والتي تتعلم و تتثقف من أجل أن تعلمهم ولا تُخرج ما تعلمته خارج منزلها فمكانها هو بيتها وطبيعتها هي مساندة زوجها وسماع همومه وكتم همومها ونصح زوجها وطاعته والسهر له ولأبنائه، ويدعو الحكيم إلى خروج المرأة لميادين التعلم؛ لكي تجلس بالبيت وتلقنه أبناءها و زوجها، وكل ما قاله هنا لا يختلف عن رأي أي شرقي تقليدي.. و لكنه من جانب يفخر بزوجة الشهيد التي تكرس شبابها وما تبقى من سنينها وتضع نفسها على الرف مع دروعه وشهاداته، وتكون ضمن ميداليات بطولته ، يفخر بها أكثر لو قمعت طموحها في أن تسير في حياتها كباقي البشر، فيصنفها ضمن العظماء . 

أيضاً تحدث عن زواج الفنان فيقول: ” زوجة الفنان هي التي تعنى بزوجها ولا تطالب زوجها أن يعنى بها.. هي التي تزيل متاعب زوجها ولا تنتظر من زوجها أن يزيل متاعبها وهي التي تتلقى من زوجها همومه ولا تخبره أبداً بهمومها.. هي التي تقف بجانبه دائما دون أن يفطن إلى أنها موجودة”.. هذه شروط نجاح زواج الفنان بنظره! وكأن أديبنا غفل عن معنى الزواج بأنه مشاركة بكل شيء، مشاركة بالطموح واقتسام التربية وتبادل الآراء والحرص على المصالح بعد الإحساس بالأمان، ولكن أين الأمان بتلك القصة؟! هناك أبعاد أنانية كثيرة في مفهوم المرأة الصالحة العظيمة.. فهو يكره على المرأة أن تتحاشر مع الرجل بمكان؛ لأنه يخاف من أن تسلبه كرسيه وسلطته و إبداعه، فهو يريد للمرأة أن تقرأ له لا أن تكتب معه.. تنتظره بالمنزل متثقفة بكتاب ما و مزينة بيتها بمزهرية زاهية الألوان منتظرة للاستماع لهمومه لا للحكي بهمومها، تلك المرأة المثالية.

 مع أنه القائل:” ما من فنان أبدع في هذا الكون إلا في ظل امرأة ” وشرح مقولته هذه قائلا: ” إن عداوتي لهذا المخلوق لن تنقطع ما دمت أخشى منه، إن عداوتي ليست إلا دفاعاً عن نفسي، فلو أن المرأة تمثال من الفضة فوق مكتبي لما كان لها عندي غير تقديس وإكبار، ولكنها للأسف شيء يتكلم ويتحرك”.

صراع أدبي يطول ويقصر، من خوف يخفى ويظهر أمام جمهوره بين تارة وأخرى، والسبب أنها هي الند في معركة الأدب و العاطفة و الحياة و المجتمع وكل شيء في حياة ذلك الأديب. بينما غادة السمان تتحدث باللغة المختلفة، كما هو معروف؛ فقد رفضت أن تشتري عطر فرنسي من تصميم (جان بول غوتييه) أوائل التسعينات، وكانت فكرة تصميمه على شكل جذع امرأة عارية، رفضت شراءه؛ لأنه امتهان لكرامتها وصرحت بأنه لو كان أيضاً لجذع رجل عاري لما اشترته؛ لأنه امتهان لكرامته هو.غادة مثقفة متصالحة مع نفسها أنتجت بكل ما أوتيت من قوة وفكر، فلم تضر الرجل بشيء ولم تضر طبيعتها كامرأة بشيء أيضاً، رأت بأن الرجل ليس ندها بل شريكها في الإنسانية، وقليل من الحقوقيات النسويات من يرى بعينين مفتوحتين مثل غادة.   

 مشاعل الفيصل

@Negative87