كتاب سبر

هل سيتحول د. مرسي إلى طاغية آخر؟!

“عندما تقوم الجماهير بخلع طاغية زرع الرعب في نفوسهم لعقود طويلة، فهذا يعني أن هناك شيئا ما تغير في النفوس والعقول أولا” 
منذ انتخاب د. محمد مرسي رئيسا لمصر والناس تتناقل أخباره وصوره التي تصب في اتجاه كونه إنسانا بسيطا، ومحافظا، وملتصقا بالشعب، أسرته متواضعة، وهو حافظ لكتاب الله، وأدى أول صلاة جمعة في جامع الأزهر، ورفض تعليق صورة في مؤسسات الدولة، وألقى خطابا في ميدان التحرير لامس فيه مطالب المعتصمين، فلاقى استحسانا كبيرا حتى من بعض خصومه والمرتابين منه.. إلخ 
البعض أظهر استياءه من تناقل تلك الأخبار والصور الإيجابية عن تصرفات وتحركات د. مرسي، باعتبار أن في ذلك نوعاً من المبالغة في الإطراء والتمجيد قد تصنع منه طاغية جديدا يحل مكان الطاغية الذي تم التخلص منه.
إن مثل هذا التخوف مشروع بشكل عام، فبعد أن عانت الأمة لعقود طويلة من طغاة جثموا على صدرها، وذاقت منهم الويلات، فيحق للناس أن يبدوا قلقهم من استعادة ذلك الماضي البائس، وتكرار تلك التجارب المريرة، كما أن مثل هذا التخوف يساهم في خلق نوع من الحصانة ضد تسلط طاغية آخر، ويقوي لديها المناعة ضد فايروس “القابلية للاستبداد”.. 
لكن من الضروري التوقف مع بعض المعطيات المطمئنة، والتي تخفف من القلق تجاه التعامل مع ذلك الاحتفاء:
أولا: الرئيس المصري الجديد لم يأتِ على ظهر دبابة، أو بانقلاب عسكري، أو وصل عن طريق “الجينات الوراثية” وبطريق الصدفة البيولوجية! وإنما هو خيار شعبي حر، جاء بعد ثورة وتضحيات، وبالتالي من حق الناس أن يفرحوا بإنجازهم وتخلصهم من الاستبداد، وتنصيب مَن يمثلهم بإرادتهم، وأن يشيدوا باختيارهم ويثبتوا أن ذلك الخيار لم يكن خاطئا.. فهذا بحد ذاته انجاز يستحق الاحتفاء.. 
ثانيا: الاستحسان المعتدل لتصرفات الحاكم الإيجابية يعزز تلك التصرفات ويجعل ثمن التراجع عنها باهظا، ويرسخها كأعراف جديدة لمرحلة جديدة هذا أوان تشكّلها، فمن الضروري الاحتفاء بكل ما هو حسن في هذه المرحلة والعمل على تعزيزه كواقع جديد، وكجزء من محاولة استعادة ثقة الأمة بنفسها.  
ثالثا: من الخطأ اغتيال مشاعر الفرح والإعجاب التي تبديها الشعوب العربية لممارسات لم يعتادوا عليها من قبل حكامهم، فقد اعتادت الشعوب  العربية أن يكون حاكمها ينتمي لعالم آخر، بعيداً كل البعد عن نبض الشارع، وإن تظاهر ببعض الممارسات الخداعة والدعائية التي تصور أنه شخص بسيط ويعيش حياة بسيطة، لكن تبقى الحقيقة خلاف ذلك، أما اليوم فإن الشعوب ترى أمامها رئيسا جاء من رحم الشعب فعلا، عاش معاناتها، ويتحدث بلغتها حقيقة لا مجازا،  وناضل وسُجن وجدّ واجتهد.. 
رابعا: يكون المدح والإطراء ممجوجا إذا كان هو الخيار الوحيد، بمعنى أن نقد الحاكم يكون محرّما ومجرما، فيصبح الشعب أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما أن يمدح أو يصمت!  في المقابل يكون المدح من الشعب للحاكم مقبولا إذا كان بإمكان الشعب أن يذم هذا الحاكم إذا أخطأ، ويأخذ على يده إذا أساء، ويقف بوجهه إذا انحرف، ففي ظل هذه الضمانة يصبح للمدح والاحتفاء طعم آخر!
أخيرا.. ورغم ذلك تبقى الضمانة الحقيقية لاستمرار تلك الإيجابيات هي في رقابة الأمة، وقدرتها على المحاسبة، وسيادة القانون، وتعزيز الحريات، وتقوية مؤسسات المجتمع المدني.. فإذا صار كل ذلك واقعا تساوى المدح والقدح بالرئيس..