حوارات

السنعوسي المرشح الكويتي لـ”البوكر” في حوار مع سبر : “ساق البامبو” تصدم قارئها برؤية الآخر لنا

  • حاولت أن أكون حنجرة يصرخ  بها من لا يملك فرصة التعبير عن قضيته
  • أستغرب ممن ينتقد تناولي زواج كويتي من فلبينية ولا يكترث بأخبار “يومية” عن اغتصاب الخادمات
  • صورتنا لدى الآخر … نعرفها جيدا ونتجاهلها
  • بعض الجوائز الدولية ليست بمنأى عن المحاصصة والمجاملة والتوزيع الجغرافي 
  •  الحذر في تناول”الربيع العربي”نابع من ضبابية نتائجه
  • الثقافة الكويتية حاضرة… وإن بصورة لا تليق بالكويت
  •  كم بوعزيزي بيننا ؟.لماذا لا نشعر بهم إلا بعد التهام النيران لأجسادهم؟
  • أسعدني خبر ثقافي جمع الكويت والعراق بعد أن أهلكتنا السياسة

رغم قصر تجربته الأدبية – باعترافه – فإن رواية “ساق البامبو” للروائي والكاتب الكويتي الشاب سعود السنعوسي ، استطاعت ان تحجز له مكانا بين المرشحين لإحراز جائزة البوكر العربية .وهنا التقته سبر لتنقل الى قرائها تلك التجربة الوطنية الثرية ، فكشف عن سر تميز هذه الرواية عن غيرها من الروايات حتى تنال هذه المكانة ” وهي  الجرأة في الكتابة عن صورتنا لدى الآخر، وهي صورة نعرفها جيدا ونتجاهلها”.

ووصف السنعوسي تجربته في هذه الرواية بانها ”  جديدة ومغايرة بالنسبة لي، ربما لأنني كنت مؤمنا بقضية بطل الرواية “هوزيه ميندوزا” أو “عيسى الطاروف” حيث ساعدني ذلك كثيرا على الخروج من ذاتي وتقمّص الآخر على النحو “.. ويضيف” في هذه الرواية حاولت أن أكون حنجرة يصرخ بواسطتها من لا يملك فرصة التعبير عن قضيته”.

ويستغرب السنعوسي ممن يصفون روايته بالجرأة لانها  تطرح قضية زواج كويتي من خادمته “في حين تغص صحفنا اليومية بأخبار اغتصاب الخادمات أو العاملات من الأجانب!”.

جرأة السنعوسي لم تختبئ فقط بين سطور روايته بل عبر عن رأيه في الجوائز الدولية بصراحة “فكثير من الجوائز يعتمد على المحاصصة والمجاملة ومراعاة التوزيع الجغرافي، بل وحتى الجوائز التي يصفها البعض بالـ”محترمة” لها أيضاً من يعارضها”، مستدركا ” ورغم كل ذلك هناك حضور كويتي بشكل أو بآخر”.

اما عن مأساة البوعزيزي ، فاعتب انها  ليست مجرد قصة ” هي صفعة أفاقت شعوب، ومأساة ألهمت الكثير من المبدعين في إنتاج أو كتابة أعمال إبداعية شعرا وقصة ورواية وما إلى ذلك من صنوف الإبداع، السؤال هو كم بوعزيزي بيننا؟ ولماذا ننتبه إلى مآسيهم، فقط، بعد أن تلتهمهم النيران؟ لماذا لا يستشعر المبدع مثل هذه الأمور قبل وقوعها”… وفي تفاصيل الحوار ما يستحق عناء القراءة:
* كونك اول كويتي يدخل القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية “بوكر”، ماذا تقول بذلك الانجاز؟

سعدت بسماعي الخبر لا شك، خصوصا انني كنت أتصور أنني سأتلقى اتصالا -في حال وصول الرواية إلى القائمة الطويلة- من القائمين على الجائزة، ولكن الجميل في الأمر ان الإعلان عن القائمة كان مفاجأة حقيقية.

سمعت بالخبر كأي متلقِ، وكان ذلك من خلال الروائي الصديق إبراهيم فرغلي الذي هاتفني صباحا مهنئا بوصول “ساق البامبو” إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر، ولعل الأجمل من ذلك هو ما قرأته لاحقا من أخبار وتعليقات ربطت اسم الكويت بخبر وصول الرواية، لا شك ان الأمر يسعدني حين أقرأ أخبارا تبدأ بـ: “إنجاز كويتي..” أو “الكويت تدخل للمرة الأولى قوائم البوكر”.. وما إلى ذلك من أخبار زيّنها اسم الكويت.

* ماذا احتوت او تضمنته رواية “ساق البامبو” الذي جعلتها المتصدرة من بين 133 رواية؟

هذا سؤال يوجه إلى اللجنة الحكم بشكل خاص، وللقارئ بشكل عام، أما ما أعرفه عن روايتي هو انني تعاملت معها بجدية كما لم أفعل في حياتي، ربما بسبب الجهد المبذول أثناء التحضير لكتابتها من قراءات وسفر ومعايشة واقتراب من الآخر.

رواية “ساق البامبو” كانت تجربة جديدة ومغايرة بالنسبة لي، رغم قِصَر تجربتي الأدبية، ربما لأنني كنت مؤمنا بقضية بطل الرواية “هوزيه ميندوزا” أو “عيسى الطاروف” ساعدني ذلك كثيرا على الخروج من ذاتي وتقمّص الآخر على النحو الذي جاء في الرواية التي تطرقت إلى قضايا إنسانية عدة أبرزها قضية فقدان الهوية، في هذه الرواية حاولت أن أكون حنجرة يصرخ بواسطتها من لا يملك فرصة التعبير عن قضيته، وأتمنى أن أكون قد وُفِّقتُ في ذلك.

* هل الروائيون تناولوا قضية الربيع العربي؟

أعرف شخصيا، بحكم الصداقة،  بعض الروائيين العرب الذين يعكفون حاليا على الكتابة عن هذا الموضوع، وما سمعته أيضاً في تصريح للقائمين على جائزة البوكر ان من بين الـ 133 رواية المتقدمة للجائزة كان هناك عدد من الروايات التي خاضت في هذا الشأن، وقد تم استبعاد أغلبها نظرا لأسباب أوضحها القائمون على الجائزة في التصريح ذاته.

أتصور أن الوقت لا يزال مبكرا للكتابة عن موضوع كهذا، وأنا أتحدث عن نفسي هنا، لو كنت سأكتب في هذا الشأن أتصور أنني سأكتب رواية تلامس حياة شعب قبل قيام الثورة، أتطرق فيها لما يدفع الشعوب لأن تثور، وقد أختم الرواية بشرارة اندلاع الثورة.

أما الكتابة عن موضوع بهذا الحجم وهو لا يزال قائما ولسنا متيقنين، رغم تفاؤلنا، من نتائجه بعد فهو أمر ليس بالسهل، بالنسبة لي على الأقل.

* ألا تعتقد أن قصة بوعزيزي التونسي الذي أحرق نفسه من هول الظلم الذي وقع عليه وعلى شعبه تكون قصة مؤثرة تجسدها في رواية يكون طابعها الحزن والألم؟

أتصور ان كل القصص في حياتنا قد تصلح لأن تكون مادة لرواية إن أحسنا التعامل معها من خلال توظيفها بشكل سليم وإلمامنا بتفاصيلها، ومأساة البوعزيزي ليست مجرد قصة، هي صفعة أفاقت شعوب، ومأساة ألهمت الكثير من المبدعين لا شك في إنتاج أو كتابة أعمال إبداعية شعرا وقصة ورواية وما إلى ذلك من صنوف الإبداع، السؤال هو كم بوعزيزي بيننا؟ ولماذا ننتبه إلى مآسيهم، فقط، بعد أن تلتهمهم النيران؟ لماذا لا يستشعر المبدع مثل هذه الأمور قبل وقوعها.

ما جدوى الكتابة عن البوعزيزي اليوم وهو الذي سبق الجميع حين كتب قصة شعبه نارا على جسده المتفحم؟ البوعزيزي وغيره من المظلومين تجاوزوا قدرة أي مبدع على التعبير حين عبّروا بوسائلهم المتاحة، وتصور كيف استطاعت النيران أن تحل محل القلم! والآن، بالله عليك، أي رواية يمكنها أن تقول شيئا عن البوعزيزي وهو الذي قال كل ما لديه ورحل؟!

* أطلقوا على روايتك وصف “عمل روائي جريء”،هل تعتقد أن الذي تطرقت له لم يتناوله احد من قبل؟

لست أدري أين هي الجرأة في طرح قضية زواج كويتي من خادمته في حين تغص صحفنا اليومية بأخبار اغتصاب الخادمات أو العاملات من الأجانب! نمر على مثل هذه الأخبار ولا نتوقف عندها بقدر ما نستنكر فعل فلان الذي تزوج الخادمة! إن كان في الرواية ما هو جريء فلا أظنه مسألة الزواج هذه، الجرأة كانت في الكتابة عن صورتنا لدى الآخر، وهي صورة نعرفها جيدا ونتجاهلها، إنما توقفنا عندها فقط حين جاءت على لسان الآخر، وهو ما رآه البعض جرأة بل وقاحة حين جاء “ابن الفلبينية” إلى الكويت يتحدث عن الصورة التي رآنا عليها وتوقفه عند بعض سلوكنا وممارساتنا وثقافتنا.

أنا لا أقول ان التفاصيل التي تحدث عنها “هوزيه ميندوزا” عن حياتنا حقيقية بالضرورة، ولكن الآخر بشكل عام، متمثلا في هوزيه، يحمل لنا صورة غير تلك التي نرى عليها أنفسنا، سؤالي لقارئ الرواية: اين نحن بين تلك الصورتين.. ما نراه.. ما يراه.. أم صورة بين الاثنتين؟!

* هل تعتقد ان الثقافة الكويتية غائبة ام مغيبة؟

 سؤال قد أثير قبل أيام، عن نفسي، لا أحب إلقاء اللوم على الآخر، فعندما أقول ان ثقافتنا مغيبة فأنا أتنصل من مسؤوليتي وألقي اللوم على طرف آخر مدعيا انه، عامدا، يتجاهلني،ولكنني مؤمن بأنني لو حضرت ثقافيا، محليا بالدرجة الأولى، فسوف يصل صوتي عربيا بل وحتى عالميا وإن حاول البعض تغييبي، الثقافة الكويتية حاضرة، وإن بصورة لا تليق بالكويت، ولكنها بحاجة إلى من يعي أهميتها. متى ما احترم الشعب ثقافته وتعرّف إلى مبدعيه سوف تجد حضورا فاعلا لهذه الثقافة، فقط حين تكون مؤثرة، والتأثير ليس سهلا في ظل عزوف الناس عن القراءة وانصرافهم عن الفنون والآداب.

انظر لحضور السياسة، على سبيل المثال، في الكويت. تصور ان يكون للناس شغف ثقافي بقدر شغفهم السياسي.. كيف سيكون شكل الكويت، وكيف سيكون حضورها ثقافيا؟

* هل تلاحظ ان هناك ضعفا بالحضور بالأدب الكويتي في الساحة الثقافية العربية خاصة في ما يتعلق بالجوائز الكبرى؟

لا تنسَ أننا، كشعب، نتجاوز المليون بقليل، أضف إلى ذلك أن همومنا، مهما كبرت، فإنها تتضاءل بمجرد مقارنتها مع هموم غيرنا من شعوب محيطة. لذا أنا أرى أن الأدب الكويتي حاضر -أكرر، وإن لم يكن حضورا يليق باسم الكويت- ويلمع بأسماء تجاوزت محيطها، ربما لبيئتنا وتاريخنا وثقافتنا دور في ذلك، ولكنني على يقين بأننا لو تعاملنا مع تاريخنا، على قصره نسبيا، ولو بحثنا في ثقافتنا بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات سوف نجد ما هو جدير بالكتابة عنه، المسألة تحتاج إلى دراية، ونحن مع الأسف أبعد ما نكون عن ثقافتنا.

أما في ما يتعلق بحضور الكويت وحظوظها في الجوائز الكبرى فيجب أولا تعريف هذه الجوائز الكبرى. كثير من الجوائز يثير الجدل، وهناك من يتحدث عن المحاصصة والمجاملة ومراعاة التوزيع الجغرافي الذي تنتهجه بعض الجوائز، بل وحتى الجوائز التي يصفها البعض بالـ”محترمة” لها أيضاً من يعارضها، ورغم كل ذلك هناك حضور كويتي بشكل أو بآخر.

منذ سؤالك، وأثناء إجابتي وأنا أفكر في أسماء كويتية. ربما لا أتذكر الكل ولكن، على سبيل المثال، نالت الكاتبة هدى الشوّا جائزة الشيخ زايد في مجال أدب الطفل عام 2010 على ما أظن، وفي السنة التي تلتها وصلت الشوّى للقائمة القصيرة في نفس الجائزة، ولم تكن الوحيدة من الكويت، بل ضمت القائمة أيضاً القاصة باسمة العنزي وذلك عن مجموعتها القصصية “يغلق الباب على ضجر”.

وقبل أيام قليلة حصدت الروائية سعداء الدعاس جائزة نازك الملائكة في بغداد، وكان خبرا مفرحا، أسعدني شخصيا حين قرأت اسميّ الكويت والعراق في خبر ثقافي بعد أن أهلكتنا السياسة.

* هل ترى ان الساحة الثقافية الكويتية تبشر ظهور عدد من الادباء والروائيين من فئة الشباب؟

أنا متفائل، الأديب بحاجة إلى قارئ، وأرى أننا في الكويت نتجه إلى مسلك جديد عبر ظهور النوادي والملتقيات الثقافية التي تعنى بالقراءة بالدرجة الأولى، القارئ هو من يُشكّل المشهد الثقافي بحضوره الفاعل، متى ما توفر القارئ الجاد تجد، بالمقابل، كاتبا أكثر جدّية.
 
* هناك من يقدح بمجموعة من القصص التي تخلو من الادوات الفنية ، ومستوى الكتابة المتدني.. فماذا تقول بذلك؟

لكل قارئ حق إبداء الرأي، أنا من الناس الذين “جُلِدوا” انتقادا على بعض كتاباتهم، وحمدا لله كان لذلك الجلد نتائج إيجابية، مشكلتنا هي التعجل في النشر وقبل ان نمتلك حتى ابسط أدوات الكتابة، أتمنى من الكتاب الشباب، وأنا احدهم، الا يتسرعوا في مسألة النشر، فهناك من الأدباء الكبار من هو على استعداد لتقديم المشورة والنصح، كما ان للقراءة دور أساسي محفّز للكتابة، أفرح إزاء إصرار البعض على الكتابة، ولكنني، بحق، أتمنى أن يكون للقراءة نصيب من هذا الإصرار.

* طريقك الذي سلكته هل تكفيه الموهبة ام امور كثيرة؟

الموهبة أولا ثم تطوير الأدوات بأمور عدّة أهمّها القراءة القراءة القراءة…