أقلامهم

سليمان الخضاري: مقاهي الجهراء؟ البعض يصوّر محافظة الجهراء وكأنها استثناء من الواقع الكويتي ككل.

فكر وسياسة / مقاهي الجهراء… ويا قلبي لا تحزن!
د. سليمان الخضاري
بعيدا عن أجواء السجال الأيديولوجي حول قضية مقاهي الجهراء المختلطة، والذي أضحت معالمه معروفة بل ومن الممكن التنبؤ بها عند التطرق لقضايا استقطابية من هذا النوع، أقول، بعيدا عن هذا كله، إلا أن للأزمة أوجها ثقافية واجتماعية ونفسية بالغة الأهمية، ولكنها لا تحظى بالاهتمام الكافي باعتبار طغيان البعد السياسي والذي يفتح المجال دائما للمتكسبين وأصحاب الطموحات الانتخابية، خصوصا في الطرف الاجتماعي المحافظ أو تيار الإسلام السياسي!
القضية متشعبة وكثيرة الأبعاد كما ذكرنا آنفا، ومجرد حصرها في البعد الأخلاقي ومزجها بأحكام معينة من الشريعة الاسلامية لا يشكل أسلوبا ساذجا أو انتهازيا لتناولها فحسب، بل يسهم بشكل مباشر في تنامي بعض الظواهر التي يخالها العقل الديني غرقة في السلبية من خلال تهميش التعامل العلمي السليم مع الظواهر والتغيرات الاجتماعية وأشكال وأنماط العلاقات والتواصل البشري.
هي في الأساس قضية مجتمع بسيط من حيث التركيبة وديناميكيات الفعل الاجتماعي، يغلب عليه الالتزام بقيود معينة عند التواصل بين الجنسين، وللأسرة فيه تاريخيا دور محوري في إعادة انتاج منظومة القيم والعادات والتقاليد ومراقبة التزام الجيل الجديد بكل ذلك، ولكنه وبفعل الكثير من المتغيرات التي لم يتم دراستها موضوعيا بجدية كافية، وجد نفسه وقد اختلف كثيرا عن تلك الصورة المألوفة للعلاقات الاجتماعية عموما، ولأشكال التواصل بين الجنسين على وجه الخصوص.
ولأكون مباشرا تماما، فلست أبدا ممن يحاولون شيطنة الانفتاح الاجتماعي بين الجنسين أو إطلاق الأحكام الأخلاقية على كل اجتماع بين ذكور وإناث، بل لعلي أكون في الطرف المقابل تماما لهكذا توجهات، مشجعا ومحفزا للتواصل «الرشيد» بين الجنسين، مؤمنا بحقيقتين رئيسيتين في هذا الخصوص، أولهما أن التواصل الواعي بين الجنسين هو أحد دعائم التطوير المجتمعي والبناء الحقيقي للأوطان، وثانيهما أن الانفتاح وضعف الحواجز والقيود الاجتماعية بين الجنسين بدرجة أو بأخرى هو مآل تسير فيه جميع المجتمعات، شاءت أم أبت!
أين المشكلة إذاً؟
المشكلة تكمن في صعوبة رصد الظواهر الاجتماعية وتطورها من زاوية علمية محايدة في ظل كل هذا التشنج السياسي المقيت، فالكثير من القضايا المؤثرة في حياتنا من الزاوية الاجتماعية أضحت أداة طيعة للتصعيد و«التشنيع» السياسي، ناهيك عن هزلية الحلول التي يقترحها السياسيون، كما سمعنا عن الفحص «الاكلينيكي» للمثليين الجنسيين كشرط لتحصلهم على أذونات عمل في الخليج مستقبلا، كل هذا الصخب والترهيب أدى بالكثيرين للانزواء والابتعاد عن تناول هذه الظواهر المتماسكة مع أعراف اجتماعية أو أحكام دينية معينة ابتغاء للسلامة وراحة البال!
لا نستطيع بالطبع إغفال جزئية ملفتة في هذه القضية، وهي طبعا تلك المتعلقة بتصوير البعض لمحافظة الجهراء وكأنها استثناء من الواقع الكويتي ككل، إذ سمعنا وقرأنا ما يكفي من دعوات تستنفر «غيرة» أبناء الجهراء لتطهير منطقتهم من هذه الشرور والمعاصي ووو.. إلخ، وهذه الجزئية أيضا بحاجة للتفكير والتأمل، فهل تتميز تلك المحافظة بجملة من الميول والاختلافات والاستعدادات النفسية والاجتماعية والديموغرافية التي تجعل أبناءها يسعون للتأكيد على اختلافهم وواقعهم الاستثنائي في هذه الدولة، وهل سنرى تشريعات تسنها السلطة التشريعية خصيصا لمناطق معينة دون أخرى باعتبار مطالبات بعض أبناء تلك المناطق؟!
كل هذا وغيره يحدث جهارا نهارا أمام عين من يديرون البلد.. ولا أفق يتبادر لاجابات واضحة حول هوية البلاد الثقافية وإلى أين نحن متجهون.. ويا قلبي لا تحزن.. وكل عام وأنتم بخير!