بورتريه

فوزي العودة.. حكاية 12 عاماً من الغياب والعذاب

للحرية ثمن.. لكن “فوزي العودة” لم يكن يتوقع أن يكون باهظاً إلى هذا الحد، وهو الذي دفع 12 عاماً من سنوات عمره لقاءها، وكان على وشك أن يدفع المزيد.
لبث فوزي العودة في سجن غوانتنامو ذلك القدر من الزمن، وكان ممن ساقتهم الأقدار إلى أفغانستان قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأسابيع قليلة.. ذهب إلى هناك بدافع العمل الخيري وتدريس القرءان ومساعدة المنكوبين ممن أنهكتهم الحرب الأفغانية وأخذت منهم كل مأخذ، ولم تتحرك في ذهنه فكرة أن يكون صفقة “دنيئة” بين الجيش الباكستاني والقوات الأميركية التي بسطت سيطرتها على كامل الأرض الأفغانية بعد حرب لم تدم طويلاً ضد حركة طالبان.
كان العودة أحد الذين دخلوا باكستان مع من دخلوا هرباً من جحيم المعارك، وقد ظنوا أنهم باتوا في مأمن من نيران الصواريخ والقذائف، لكن القوات الباكستانية اعتقلتهم وسلمتهم للجلاد الأمريكي دون قيد أو شرط، وإن كانت هناك روايات تذكر أن بعض القبائل الباكستانية هي التي تآمرت ضدهم وساقتهم أسرى للقوات المحتلة مقابل مبالغ مالية.. لتبدأ بعد ذلك رحلة العذاب الطويل، إذ لم يدم احتجازهم في أحد المعسكرات الأفغانية إلا أيام، فبعد فترة الاحتجاز تلك أقلتهم  طائرة نقل عسكرية إلى جزيرة كوبا، حيث معتقل غوانتنامو الخارج عن سلطة قوانين حقوق الإنسان.. من خلال هذا المعتقل يمكن للجيش الأمريكي أن يمارس أقسى أنواع المعاملة مع أسرى الحرب (إن صحت تسميتهم أسرى). 
منذ مطلع العام 2002 وفوزي العودة يتجرع مع رفقائه مرارة الأسر، وقسوة الفقد، وسوء المعاملة التي يلقونها من السجّان، بدءاً من تخدير المحتجزين والتلاعب بحالتهم الذهنية، وتقييد أيديهم وأرجلهم بالحديد، والضرب المتواصل.. وغير ذلك من أساليب امتهان الكرامة، وليس انتهاء عند تدنيس القرآن وركله.. بقصد الإمعان في إذلالهم.
كان فوزي العودة ومعه فايز الكندري آخر من تبقى من المعتقلين الكويتيين الاثني عشر في القاعدة العسكرية الأمريكية الواقعة في أقصى شرق كوبا، كما ظلاّ خارج حسابات المفاوضات الأمريكية بعد الإفراج عن العشرات من السجناء ومن مختلف الجنسيات وتسليمهم لبلدانهم.
ولعل المحامي خالد العودة (والد فوزي) الذي تولى رئاسة لجنة المعتقلين الكويتيين في غوانتنامو يذكر بمرارة تلك الرسالة التي وصلته من ابنه المعتقل والتي كتب فيها سطرين وحسب، إذ قال: “بشكل عام أنا بخير وبصحة جيدة، لا نزال نحن صابرين وأملنا في الله كبير والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين”.
 ومنذ الأيام الأولى والعودة (الأب) لم يدخر جهداً في متابعة قضية فوزي وإخوانه في سجن القاعدة الأمريكية النائية.. وقد اختصر ما يحدث هناك بعبارة موجزة خلال حديث لصحيفة الشرق الأوسط حين قال:
“إن من السخرية بمكان أن تحاول هذه الأمة العظيمة التي وثقت حقوق الإنسان وقامت على ركائز الحريات، أن تحاول وضع أناس في السجن إلى ما لا نهاية من غير أن تسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم، فهذه مصيبة كبرى”.. لكنه استدرك قائلا “هناك الكثير من الأحرار في أميركا لن يسمحوا باستمرار مثل هذه المصيبة، لأن مثل هذه الممارسات أساءت للولايات المتحدة أكثر مما أفادتها وشوهت سمعتها في العالم لدرجة خطيرة”.
إذاً فإن للحرية ثمناً.. وها هو فوزي العودة يوشك أن يطأ أرض الكويت من جديد بعد 12 عاماً من الغياب.. والعذاب!.