بورتريه

سامي المنيّس.. ذهبٌ عتيق لا يصدأ ولا يحترق..!

سيدي الرئيس.. هناك ضيقٌ من العمل الديمقراطي، وهناك من يعتقد أنه لا يستطيع أن يعتاش إلا في أوضاع لا ديمقراطية، وليعلم الجميع أنه لا أمان ولا استقرار إلا في ظل هذه الديمقراطية”. (سامي المنيس متحدثاً في مجلس الأمة بتاريخ 10 / 3 / 1998) .


كلام السّاسة الكبار مثل الذهب العتيق لا يصدأ ولا يحترق.. ولا يُلقون بالكلام على عواهنه ولا يرمون المفردات إلى التهلكة، ومفرداتهم حيّة باقية، ولا يستطيع صاحب “نفوذ” أو “مال” في وقتنا هذا أن يشتري الحياة لكلمة واحدة ليس في وريدها دمُ الحقيقة.  الراحل سامي المنيّس أحد هؤلاء الساسة الكبار الأحياء في أذهاننا الذين لا تموت عباراتهم ولا تفنى عهودهم الوطنية.


كان مُحصّناً بمنظومة أخلاقية قوية كالفولاذ غير مخترقة “مالياً” خلال عمله البرلماني المترامي في ستة فصول تشريعية من بين تسعة فصول شهدتها الحياة النيابية في حياته منذ عام 1963 وحتى وفاته نائباً في 23 / 8 /2000 .تاريخ سياسي ثريّ لا تستوعبه صفحات وصفحات.. وهذا “البورتريه” ليس سرداً لتاريخ سامي المنيّس الوطني والقومي أو لمعرفة من حمل على عاتقه مسؤولية وطنٍ وأمّة، فـ”محركات البحث” في الانترنت تفي بالغرض.


هذا “البورتريه” رسالة اعتذار الى “روح” سامي المنيّس.. وروحه هي “الطليعة”.. الصحيفة المعارِضة الأولى في تاريخ الكويت.. وهي بيته الثاني.. منذ أن تعلمت القراءة لا أذكر من كل ما قرأت إلا الكلام الذي كان يثقب جدران ذاكرتي كالرصاص أو يتفجر كلما اقتربت منه عيناي على صفحات “الطليعة” يكتبه “عمالقة” العمل السياسي الوطني.. كان سامي المنيّس وصحيفته “الطليعة” من جيل يمثّل مرحلة وطنية كُبرى.. جيل ناهض من بين حُطام نظريات القرن الماضي، ويتطلّع بطموح نحو دولة ديمقراطية حرّة وشعب يملك إرادة التغيير وإدارة الدولة..


وفي “طليعة” سامي المنيّس كانت هناك حقائق لا رادّ لها، وكان يقول مقال الروائي الانجليزي “جون أوزبورن” في روايته الشهيرة “انظر خلفك بغضب” التي ملأها بالاحتجاج والتمرّد على كل خطأ.. تم تعطيلها وإيقافها مرات عديدة.. فاستمر المنيّس في احياء نَفَسها الوطني المعارض بعقد لقاءات سياسية في مقرها خلال فترة التعطيل وتعليق الحياة البرلمانية. مخطئ من ظن يوماً أن تصفية صحيفة “الطليعة” تصفية لـ”فِكر” صاحب امتيازها سامي المنيّس، فالعواصف تهز الأشجار جميعا وتلويها ولا تبقى واقفة الا الأشجار ذات الجذور العميقة.. بينما تقع الأشجار الجوفاء الخفيفة.. والريح تهب على القناديل ولا يبقى منها الا ذات الشعلة المتوهجة والشهب.. بينما تخبو القناديل ذات اللّهب الشحيح وتنطفئ.