كتاب سبر

دلو صباحي
وداعا امير الدوبلوماسية

في ليلة من ليالي رمضان المباركة رحل عنا رجل من أعظم رجال الدبلوماسية في العالم.. خط أسمه بحروف من نور.. أسمه له رنين الذهب في عالم اشتدت فيه الصراعات العلنية والخفية وعلى مدار سنوات طويلة بلغت أربعين عاما قاد سفينة المملكة العربية السعودية في ملف العلاقات الخارجية باقتدار وتميز.. بهدوء حينا وحزم في أخرى. 
كبير ولد واستمر ورحل.. حيث الكبار دائما يرحلون في شموخ النخيل وكنسمة الهواء التي مرت بعد أن رطبت الأجواء العاصفة وتضميد الجراح الغائرة الصعبة التي ما كانت أن تلتئم دون الحكمة والكياسة والصدق والإيمان بالقضية. 
كبير عاش.. عاصر أشد أوقات الأزمات خطورة في تاريخ الأمة العربية فكان نعم المسؤول وخير المواطن وسفيرا للشعب في أحلك الظروف سوادا وأكثرها ظلاما وأعنفها وأشرسها.
جاء فحمل حقيبة الخارجية السعودية بعد حرب أكتوبر 73 بعامين في فترة أعيد فيها رسم خريطة العالم حيث تزايدت أطماع الغرب في دول المشرق وكان موقعه غاية في الحساسية كونه وزيرا لخارجية أكبر منتج للنفط في العالم.. ورغم ضخامة المسؤوليه إلا أنه عبر ببراعة واقتدار أعتى أمواج البحر الهائج بنبل الفارس وشجاعة المحارب المغوار.
خلال أربعة عقود قضاها الأمير الراحل سعود الفيصل وزيرا لخارجية المملكة شهد العالم اندلاع حروب كثيرة وكبيرة كالحرب العراقية الايرانية وحرب لبنان وحرب الخليج الأولى والثانية.. وتطور فيها الصراع العربي الاسرائيلي وشهد العالم سقوط أنظمة واندلاع ثورات وأمواج عاتية شرسة استطاع خلالها أن يجنب المملكة الكثير من الخسائر واحباط العديد من المؤامرات التي كانت تحاك لها.
اتفق على شخصه وكفاءته كل ملوك السعودية الذين عاصرهم وعاصروه ولم يخرج إلا قبل أشهر قليلة من منصبه بسبب اعتلال صحته التي تراجعت بعد سنوات من العطاء والجهد غير العادي فهو لم يكن يعمل من خلف مكتبه وإنما جال وصال في كل بلاد العالم بحثا عن السلم والأمن والأمان ليس لبلاده فقط وإنما للعالم أجمع.
عاصر وعايش وتعامل مع أغلب ساسة العالم.. تناوبوا على مناصبهم في حضرته.. اختلفوا في الرؤى والمواقف والمدارس.. وظل هو ثابت على مدرسته ومواقفه ورؤيته التي تغلب الوفاق على الشقاق والتعاون على التناحر واللقاء على الفراق.. مدرسته النبل أولا.. ورؤيته التعاون دائما.. وموقفه يصب دوما في صالح الإنسان قبل وبعد أي شئ آخر.
سعود الفيصل له مكانة خاصة عند الكويتيين فهو فارس حرب تحرير الكويت ومهندسها والذي لم يرض بغير عودة الحق لأصحابه والكويت لأهلها مهما كان الثمن غاليا ومكلفا.
إلى جنة الخلد يا أمير النبل وفارس المواقف.. وعزاؤنا أن الله اختارك لتنتقل إلى جواره في أيام كهذه مباركة فيها عتق من النار.. تستحق أن نترحم عليك وأن ندعوا لك بالرحمة والمغفرة والفردوس الأعلى بإذن الله.
وداعا فارس العرب النبيل الذي سيذكره التاريخ بكل خير وحب.. وداعا يا من زرعت نخيلا شامخا في صحراء جرداء.. وداعا أمير الدبلوماسية النبيلة.. ودعا سعود الفيصل.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

بقلم/ عبدالله المسفر العدواني
almesfer@hotmail.com