بورتريه

بورتريه
“أمّةٌ” منها “زهير الدجيلي” ليست فقيرة بالنُّخب

لا يسأم القلم أو يضجر من رفقة أصابعه والتصاقه الحميم بها.. به وبأمثاله يثبت أن أمتنا ليست فقيرة بالنُّخب.. “بُستاني” والورد بعطر روحه فقط.. وكما أن النحلة لاتطوف حول ورد صناعي ولاتتوقف عنده ..فإنها لاتغط إلا حيث طعم الرحيق في الوردة .. وهل ألذ من رحيق ينسكب فوق ذائقتنا الموسيقية بمجرد أن نستمع إلى “يا طيور الطايرة مري بهلي” أو “المكاتيب”.
كان حين يكتب لوطنه “العراق” وذكرياته وحنينه  كمن يكتب قصيدة ليعبر فيها عن حبه لفتاة ساحرة الجمال مرت بقربه على غير انتظار أو التقاها في مناسبة عامة ورحلت دون أن تترك عنوانها .. لكنه سقط في الحب وعشقها ولم ترحل من ذاكرته .. فلاهي تعرفه ولا هو يعرفها..
زهير الدجيلي الأديب والكاتب والصحافي والشاعر والمؤلف للأغاني وكاتب السيناريو للأفلام والمسلسلات التلفازية  غادر العراق منذ أربعة عقود تقريبا، وخلال سنواته التي نقلته من مكان الى مكان والترحال في ساحات الحرية وزنازين المعتقلات، كان مزحوماً بالإبداع المتنوع.. ظل هواه الجنوبي منذ ولادته في مدينة الشطرة في محافظة الناصرية، يدفعه الى النضال اليساري، خصوصاً وأن “الشطرة” مدينته كان يُطلق عليها في حقبة ماضية، تسمية “موسكو العراق”.. 
 سنوات طويلة مضت من عمره كانت الكويت فيها بلده الثاني لم يمسّها بأذى أو تمسسه بسوء.. عمل في صحيفة “القبس” الكويتية ورأس جمعية الصداقة العراقية الكويتية، كما رأس تحرير الموقع الإلكتروني “الجيران”.
وعلى الرغم من جرعات العلاج القاسية التي كان يتلقاها في آخر أيامه واصل الكتابة في “القبس” .. ولم ينقطع عن  كتابة الشعر الفصيح والعامي حيث يعد من أبرز شعراء القصيدة “الشعبية” العراقية.
إضافة إلى كتابة وتأليف الكثير من المسلسلات والبرامج الهادفة  أشهرها مسلسل “زمن الإسكافي “ وبرنامج “افتح يا سمسم” 
كتب الدجيلي العشرات من الأغاني لمطربي العراق المعروفين ومن الأغاني المؤثرة التي كتبها زهير الدجيلي (يا طيور الطايرة) التي غناها المطرب سعدون جابر وفيها تجسدت أمنيته الأخيرة التي لم يحققها أن يزور قبر والزته في العراق.
 وكذلك أغنية “حسبالي” التي غناها أيضاً المطرب سعدون جابر وفي كلماتها امتزاج لصور شعرية أفاض بها “كل يوم بدروب الزعل تأخذني وترجعني وساعات بغياب الشمس ملهوف وأمضيعني”.
شأنه شأن كبار مبدعي العراق الذين رحلوا في المنفى أمثال بدر شاكر السياب، محمد مهدي الجواهري، عبدالوهاب البياتي، نازك الملائكة، وغيرهم. 
يصفه المقربون منه.. ومنهم صديقه الكاتب صباح عطوان : كان في جو العمل الصحفي جادا ومازحا في آن معا..وهنا يختلط عليك الأمر.. فغالبا ما يعطيك تعبير ملامحه انطباعا تطمئن اليه.. فيما هو يفكر بأمر آخر.. وليست هذي “تقية”.. ولا “مراآت”.. لكنه كان “مزدحما” بالأفكار.. لذا لن تعرف من يكون.. ممايجعلك تغلي قلقا وتحسبا حين يدخل الأقسام.. أو يخرج منها.. هل الرجل راض..؟ أم ماذا..؟ 
ويقول الكاتب عبدالزهرة الركابي عن صديقه الراحل أن “وطناً بحجم العراق، لا يستوعب ترابه أو أرضه هؤلاء المبدعين حتى في مماتهم، دلالة لا لبس فيها على أن هذا الوطن لا يزال في دوامة الإشكالية السرمدية في نبذ مبدعيه.
وعلى هذا الطريق، يظل العراق مناكفاً مبدعيه، الذين أستوطنوا المنفى قسراً، ومن يعد إليه، سرعان ما يعود الى المنفى من جديد، كما فعل مظفر النواب، وجمعة اللامي على سبيل المثال لا الحصر، بينما ظل سعدي يوسف وزهير الدجيلي، وكل من على معدن المذكورين، ينتظرون نضالهم الأخير أو بالأحرى رحيلهم الأخير”..!!.