كتاب سبر

مشاركة لا تُسمن ولا تُغني من جوع

ازداد تباين الآراء حول المشاركة والمقاطعة، وكثُرت النقاشات، وأصبح كل طرف من الأطراف يحاول إقناع رفيق دربه برأيه بهدف المصلحة العامة، وهذا التطور في الوعي لا شك أنه مكسب من مكاسب الحراك، حيث اكتسبنا ثقافة الاختلاف، واستطعنا أن نفرق بين الاختلاف والخلاف، فلله الحمد والمنة.

ولكن يبقى لكل طرف الحق في الدفاع عن وجهة نظره والرد على وجهة النظر الأخرى، بهدف الوصول للغاية الأسمى والسعي لها، وكأن لسان حالنا يقول: وجهة وطن لا وجهة نظر.

بعد هذه المقدمة فليسمح لي رفقاء الدرب بالرد على ما طرحه بعضهم من أسباب وتبريرات حول المشاركة، والتي أرى فيها الكثير من الانفصال عن الواقع، وعدم قراءة التاريخ وشواهده جيداً.

أولاً: من الأسباب المطروحة للمشاركة عدم وجود برنامج للمقاطعة، وأن المقاطعين عجزوا عن إيجاد حل، والرد كالآتي: المعارضة التي عجزت عن ايجاد حل أنتم (المشاركون الجدد) طرف فيها، وأنتم أحد المساهمين في ذلك العجز، فكان من المفترض بدل حملات الضغط للمشاركة -التي أرى أنها بهذه الصورة قرار أقرب إلى الخطأ- أن تعملوا بالضغط على كتل المعارضة لإيجاد حلول وبرنامج لمواجهة استبداد السلطة مع استمرار المقاطعة، وليس مشاركة السلطة في مشروعها، ثم لنفترض أن المعارضة عجزت عن إيجاد حل، فهل يكون معالجة هذا العجز بالسير في طريق نهايته مغلقة، ولن يحقق النتائج المطلوبة، حتى من رفع شعار المشاركة يعلنها صراحةً أنه يهدف إلى الحصول على الحد الأدنى من الحقوق التي يعتقد أننا فقدناها بسبب عدم المشاركة والابتعاد عن المجلس وليس للتشريع والرقابة، وهذه أفضل هدية يتم تقديمها للسلطة، حيث أنها لا تتمنى أكثر من ذلك فهذا ما تسعى إليه.

ثانياً: من الأسباب المطروحة أيضاً: أن لا نترك لهم المجلس وأن نتواجد للرقابة القليلة التي تحد من استبداد السلطة (سحب الجناسي-السجن-القضايا السياسية) وهذا كلام بعيد عن الواقع، حيث أن وجودك بهذا الوضع ومشاركتك مشاركة رضوخ واستسلام، لن يوقف السلطة عن استمرارها في القمع ولن تُمكّن من فعل شيء حيال تلك الأوضاع، لسبب بسيط وهو أنك الحلقة الأضعف في المشهد، وأن وجودك للحفاظ على الحد الأدني فقط، فهذا سيعزز شعور القوة لدى السلطة، ويكرس شعور الضعف لديك، فالخسارة هنا أكبر بكثير من استمرار وجودك بالصف المقاطع دون مشروع (مع العلم أن عدم وجود مشروع للمعارضة أمر خاطئ، ولكن ليس بفداحة المشاركة بهذه الصورة).

ثالثاً: ماذا لو لم تستطع فعلاً الحفاظ على الحد الأدني (التبرير الذي استندت عليه للمشاركة) كيف سيكون تصرفك وماذا ستكون ردة فعلك ؟؟

الأخوة المشاركون.. نصيحة لوجه الله، اتركوا المواجهة بين الناس والسلطة ولا تكونوا بالمنتصف، فتكون ثورة الناس عليكم بدلاً من ثورتهم على المتسبب الرئيسي، ولا تكونوا أنتم الُمتنفس الذي يُنّفس فيه الناس عن غضبهم واستيائهم على تردي الأوضاع، فوجودكم في المجلس لا يسمن إلا السلطة ونوابها، ولن يغني الناس من جوع.