أقلامهم

فالح بن حجري : يا… «شنو هذا؟!”

لا يختلف مسلمان حول مكانة المدينة المنورة، حتى الرضيع الذي لا يعي شيئاً من دنياه سوى حليب أمه ونكهة السلاميك يعرف قدرها، وأذكر أني سافرت إليها شرفها الله بصحبة أحد الأصدقاء قبل سنوات، وهذا الصديق لو كان للتدخين دوريّ لكان هو “رونالدو” ذاك الدوري بلا شك، أو قل “ميسي” هداف النيكوتين المتوج في نهائي كلاسيكو التتن، ورغم هذا لم أشاهده يدخن سيجارة واحدة طوال ثلاثة أيام قضيناها هناك! وهذا فراق منه لو تعلمون عظيم!

وقد سألته بعد خروجنا منها عن سبب جفوته تجاه معشوقته السيجارة، فأجاب مستغرباً محوقلاً: أدخن في الحرم وداخل مدينة رسول الله! ولذلك بعد التفجير الإرهابي الأخير في المدينة ـ حرسها الله ـ استغربت أن المليار مسلم بالإضافة إلى الرضيع السلاميكي ومولانا “السحيك” أعلاه يعرفون قدر المدينة وشرفها، في حين يجهله ورعان “داعش”.

حينها تذكرت اليوتيوب الشهير لـ”أبو وهيب الداعوشي” مع سائقي الشاحنات المساكين الذين سألهم عن ركعتي الفجر وعندما أجابوا خطأً أعدمهم بدم بارد على قارعة الطريق، تشكل مشهد آخر في مخيلتي تصورت فيه على طريقة “وداوها بالتي كانت هي الداء” أن الانتحاري الداعشي المفجر بمدينة رسول الله يمثل دور سائق الشاحنة، في حين أنا بدوري أتقمص شخصية أبووهيب الذي يوقفه ليسأله عن حرمة المدينة المنورة:

أنا: ما لقب المدينة التي فجرت نفسك فيها؟

الداعشي: المدينة المنورة.

أنا: ولمَ سميت بالمنورة؟

الداعشي: لأنها مهجر الرسول وثاني الحرمين وموطن قبره الشريف.

أنا: كم يبعد قبر رسول الله عن موقع عمليتك الانتحارية؟

الداعشي: مجرد خطوات.

أنا: طيب ماذا كان يعمل العسكر الذين استهدفتهم بحزامك الناسف فقتلت منهم وجرحت؟

الداعشي: كانوا يتجهزون للإفطار؟

أنا: إفطار الصباح تقصد؟

الداعشي: لا إفطار الصائم في رمضان.

أنا: كانوا صوماً قوماً؟

الداعشي: نعم.

أنا: ولمَ تقتل في شهر فضيل كرمضان صوامين قوامين داخل مدينة رسول الله؟!

الداعشي: لأنال الشهادة فأكون مع النبي يوم القيامة في الفردوس الأعلى.

وهنا ومع الإجابة الأخيرة قطع حبل غسيل أفكاري قطعاً مبرحاً، وتناثرت ملابس المنطق في الهواء ليصرخ مخي المخرج بعصبية: “cut”!! وانهار المنتج “المخيخ” بجلطة دماغية، وانتحر “المونتير” النخاع الشوكي شنقا مستخدما حبالي الصوتية، وحذفت بنات أفكاري عباءات الخيال بعيداً ليهربن حافيات سافرات لاطمات، ولم أعد أرى أمامي سوى مقطع اليوتيوب الكوميدي، وذاك الرجل الأسمر الذي ينظر باستغراب ثم يصرخ: ياااااا…”شنو هذا”؟!