آراؤهم

انهيار العالم الإسلامي .. فَقَّحْنَا وصَأْصَأْتُم

‏وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا

 

قبل ستة أعوام كنت أدرس القانون في جامعة الكويت كلية الحقوق وفي أحد الأيام اثناء تواجدي في مكتبة جابر الأحمد المركزية لإعداد بحث سقط في يدي كتاب يحمل نبوءة يتمناها الكثير في بلادنا،  كتاب “سقوط الغرب” للفيلسوف الألماني “اوزفالد شبنجلر” الصادر عام 1918 الذي يسرد فيه الأسباب التي يرى انها ستؤدي إلى انهيار الحضارة الغربية، قرأت الصفحات الأولى من الكتاب استوقفني وصف الفيلسوف لشيخوخة المدينة الأوروبية كحضارة فقدت بوصلتها وروحها وسقطت في المادية والعنف، وجدتني مستغرباً بسؤال نفسي: هل يقصد الفيلسوف حال حضارته في بداية القرن العشرين أم حال حضارتي في بداية القرن الحادي والعشرين؟ ألا ينطبق ذلك الوصف أيضا على حال العالم الإسلامي المعاصر؟ وما هي الحضارة؟

 

  • الحضارة..

نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وتتألف من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخُلقية، ومتابعة العلوم والفنون، وتبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها.

 

ترتكز الحضارة على البحث العلمي والفني التشكيلي بالدرجة الأولى، فالجانب العلمي يتمثل في الابتكارات التكنولوجيا وعلم الاجتماع أما الجانب الفني التشكيلي فهو يتمثل في الفنون المعمارية والمنحوتات وبعض الفنون التي تساهم في الرقي، فلو ركزنا بحثنا على أكبر الحضارات في العالم مثل الحضارة الرومانية سنجد أنها كانت تمتلك علماء وفنانين عظماء فالفن والعلم هما عنصران متكاملان يقودان أي حضارة.

 

  • سقوط الحضارة الإسلامية..

رأيت أمامي حضارة إسلامية مريضة تتنفس بصعوبة والعالم كله يرى أعراض المرض على وجهها والمسلمون يكابرون ويلومون العالم أجمع إلا أنفسهم، يهربون ويفرون من واقعهم الحالي إلى كهوف الماضي ويحلمون بغزو العالم من جديد ولا أعلم كيف؟ ربما بسيوف وخيول ورايات خضر!

على الانسان أن يواجه سقوط حضارته وتاريخه وموروثاته التي انهارت واصطدمت بالحداثة فلا وجود لحضارة تدوم إلى الأبد وسقوط الحضارات سنة من سنن الحياة فهي كالزهرة تنبت ثم تتفتح ثم تتهالك ككائن حي يمر بمراحل الولادة والشباب والشيخوخة، هي مراحل مرت بها كل الحضارات انتهاءاً بالدولة العثمانية فالمرحلة الأخيرة من الحضارة تتصف بالجمود في كل مجالات الحياة حيث يفقد الناس وعيهم بالتاريخ وتنتشر الفوضى الفكرية ويندثر العلم ويختفي الفن الحقيقي وتسود التسلية الرخيصة المبتذلة.

 

  • حضارة استهلاكية..

لم يبقى في عقول الناس سوى الأكل واللعب حالة مزرية أقرب ما تكون إلى الحيونة الناطقة، انتشرت ثقافة الاستهلاك وانتهاك قوانين الطبيعة التي أدت إلى زيادة ملحوظة في التصحر والمشاكل البيئية والمناخية، أصبح الاستهلاك والتسلية هما شغلنا الشاغل وأصبحت مباراة كرة قدم أهم عندنا من انقراض هوية شعب كسوريا وتقطيع جسد العراق، صرنا نستورد الاختراعات الغربية ولا نستطيع العيش بدونها ونرفض العقول التي أنتجتها، تلك العقول التي تحررت وبحثت وراجعت وحاسبت ونقدت نفسها وتاريخها وكما قال الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت “النقد هو أفضل أداة بناء عرفها العقل البشري”.

 

  • زعم امتلاك الحقيقة المطلقة..

ما نراه اليوم بمعنى أدق هو صراع بين الحداثة والتراث، حالة احتضار للثقافة الإسلامية التي لم تعد قادرة على طرح إجابات حقيقية منطقية علمية مقنعة على أسئلة العصر المُلحة، وزعم امتلاك الحقيقة المطلقة أدى إلى الانغلاق على الذات ونفي المختلف وأصبحنا في حالة من الارتباك والتشنج الفكري أودت إلى الانفصام واليأس والنعف والتطرف والإرهاب وتمجيد الذات ولعن الآخرين، وما من شيء يُرضي عواطف المتخلف مثلما يرضيه الحديث عن روعة الماضي وأمجاد الماضي والعيش في بحبوحة الماضي، حالة يُتم ثقافي نخبئها خلف التدين الزائف.

 

  • تجار الدين وفساد الدولة..

 

“وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون”

 

لقد سئمت كل السأم من رجال عجائز يحلمون بحروب لن يموت فيها إلا شباب في عمر الزهور يعدونهم بالجنة وعلى الأرض لا ينتجون سوى الجحيم، الصفات الحميدة في الدين الإسلامي اختفت من القلوب والضمائر وصارت لا تظهر سوى في اللحى والشعارات والاعلام باختلاف وسائله، وأصبح شيخ الدين أشبه بالفاشينيستا على مواقع التواصل الاجتماعي والدعايات التسويقية يُراؤون وينافقون، نحن محاطون بمجموعة كهنة يرددون باستمرار أن الدنيا ليست دارهم ومع ذلك يضعون أيدهم على كل شيء يستطيعون الوصول إليه وأصبح الفساد هو الأصل العام، اعلام يشوه المعلومات ومدارس تعلم الجهل وقانون انتقائي يعاقب الضعفاء ومسؤولون لا يكافحون الجريمة لأنهم مشغولون بارتكابها، هذه دلائل واضحة على السقوط الفكري للعالم الإسلامي الذي ينذر بسقوط مادي وشيك تزامناً مع الاستهلاك السيء للثروات فعند إيجاد بديل للنفط -مسألة وقت- وأنا على يقين أن من يكتب التاريخ بعد مئة عام سيكتب أن النفط لم يحقق شيئاً للعرب والمسلمين سوى التعجيل في هلاكهم.

 

  • وكنتم خير أمة أخرجت للناس..

المضحك المبكي اعتقاد العالم الإسلامي بأنهم أفضل الشعوب أخلاقاً وفكراً وثقافة وأنهم خير أمة أخرجت للناس في حين أن الاحصائيات تقول بأنهم ذيل الأمم في كل المجالات، والفضل يعود لنظرية المؤامرة شماعة فشل الأمة الإسلامية فالذي يعيش في القاع من الطبيعي أن يعتقد أن كل ما يسقط عليه من الأعلى يستهدفه.

 

  • غرق سفينة العالم الإسلامي..

لو قارنا العالم الإسلامي المعاصر بسفينة “تايتنك” قبل غرقها لوجدنا تشابهاً كبيراً بينهما وهو تشبيه الكاتب حامد عبد الصمد في كتابه “سقوط العالم الإسلامي”، السفينة الإسلامية تقف وحيده مكسورة وسط محيط بارد ولا تدري كيف النجاة، مسافرو الدرجة الثالثة ينامون في جحورهم ولا يعلمون شيئاً عن المصيبة القادمة والأغنياء يحاولون الفرار بقوارب النجاة القليلة ويريدون في الوقت ذاته أن يربحوا من الكارثة، رجال الدين يكررون نفس الطلاسم والشعارات ويطالبون الناس بالصبر، أما من يسمون أنفسهم بالمُصلحين فيذكرونني بعازفي الموسيقى على متن السفينة وواصلوا العزف حتى غرقت السفينة رغم ادراكهم أن لا أحد ينصت اليهم اطلاقاً.

 

  • إيقاف الانهيار وتدارك وقوع الكارثة..

الحلم شيء والواقع المر شيء آخر، هنالك قانونان يحكمان الطبيعة منذ بداية العالم: المرونة والتنوع، وكل من يخالف هذين القانونين ينتهي به المطاف إلى الفناء، والعالم الإسلامي اذا عاند هذين القانونين طويلا ذلك يقودني إلى نبوءة قاسية لا اريد النطق بها، يجب على العالم الإسلامي ان يقول وداعا للتخلف والاصولية واهلا بالتطور والتنوير والعلمانية أو سيقول وداعا للأوطان، ستفقد الدول سيطرتها على المواطنين وسيفقد المواطنون السيطرة على انفسهم وستعم الفوضى والعنف وسيسود قانون الغاب وستكون النتيجة هي هروب الناس إلى أوروبا الكافرة السافرة التي نكرهها ونحلم بها ونحتقرها ولا نستغني عنها، هدفي ليس ذم الدين الإسلامي انما أحاول التعامل مع كيان مريض اسمه العالم الإسلامي من وجهة نظر نقدية تحليلية والمريض لا يُشفى بتجاهله للمرض وعدم تقبله بل بمواجهته بالدواء وإدراك أين يكمن أساس المرض فالاعتراف بالمرض هو نصف العلاج، وكل حديث عن الإصلاح مع إبقاء المنظومة المعرفية القديمة ما هو إلا نقش على ماء.

 

  • رسالة إلى العالم الإسلامي..

لا تغرنك اللحى والصورُ تسعة أعشار من ترى من رجال الدين بقَرُ، علموا أطفالكم أن من يختلف معهم في الحضارة والعرق والدين والطائفة ليسوا بكفار أو مشركين أو نُجّس هم مثلكم تماماً، ويجب إعادة صياغة التعاريف في ذهن المجتمعات الإسلامية فالصمت ليس حكمة والفضيلة ليست ارغام والتدخل فيما ما لا يعنيك ليس نصيحة والحرية ليست عُري وأنتم محاسبون أيضاً على ما لم تقولوه حين كان لا بد قوله.

 

  • أمل..

آمل ان تنمو أشجار جديدة من الجذور المحترقة يوماً ما، الحضارات تأتي وتذهب مثل قلعة يبنيها الأطفال من رمال الشاطئ ولكن البحر سيبقى وستواصل امواجه المجيء والذهاب سواء كانت هنالك قلاع على الشاطئ ام لا.

2 تعليقات

أضغط هنا لإضافة تعليق