أقلامهم

د.بدر الديحاني : الإرهاب الأسود ودول مجلس التعاون

الأعمال الإجرامية الخسيسة التي تقوم بها، بين فترة وأخرى، قوى الإرهاب الأسود “داعش” في دول مجلس التعاون، مثلما حصل مؤخراً في السعودية والكويت، تستهدف زعزعة الأمن الداخلي، والتضييق على حياة الناس الأبرياء، والعبث في السِلم الاجتماعي.

وكما ذكرنا غير مرة فإن وجود بيئة سياسية-اجتماعية متخلفة ومنغلقة هو الذي يجعل قوى التطرف والغلو والتزمّت تنمو وتجد من يؤيدها في الداخل والعكس صحيح تماماً.

ومن أسف أن البيئة السياسية-الاجتماعية في دول مجلس التعاون ما زالت بيئة حاضنة ومُشجعة لبروز قوى اليمين الديني الفاشي بأشكالها المختلفة والمتعددة، وذلك على الرغم من الحديث الرسمي عن محاربة الإرهاب وهو، بالمناسبة، مصطلح فضفاض تستخدمه أحياناً القوى الإرهابية في العالم.

بعد العملية الإجرامية البشعة التي نفذتها “داعش” في مسجد الصادق في الكويت كتبنا في هذه الزاوية بتاريخ 3 يونيو 2015 مقالا تحت عنوان “سيناريوهات التعامل الخليجي مع إرهاب الفاشية الدينية” حاولنا فيه تحديد سيناريوهات التعامل الخليجي مع إرهاب الفاشية الدينية، فذكرنا ثلاثة سيناريوهات، هي باختصار: أولا: استمرار التركيز على الجانب الأمني فقط، وتشديد القبضة البوليسية تحت وهم أن ذلك كفيل بمنع انتشار فكر اليمين الديني الفاشي والقضاء على الجرائم الوحشية التي يقوم بها، وهو الأمر الذي يعني استمرار احتكار السلطة والثروة معا، وإغلاق المجال العام، أي موت السياسة والتضييق على الحريات العامة والشخصية، وملاحقة المعارضة السياسية المدنيّة الديمقراطية وتهميشها، مع التجاهل التام للأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي مهّدت الطريق ووفرت البيئة الحاضنة لانتشار رؤى “داعش” وإخوانه وأفكارهم وممارساتهم الوحشية.

السيناريو الثاني: فتح خطوط اتصالات جديدة، وإقامة علاقات سياسية مع بعض أطراف اليمين الديني الفاشي، ولا سيما تلك التي تُطلق على نفسها إعلاميا مُسمى “قوى دينية مُعتدلة” وبالذات جماعة الإخوان، على الرغم من أنها هي ذاتها الحاضنة الأم التي أنتجت وتُنتج أفكاره، كل ما في الأمر أنها تستخدم “التقية” السياسية وسياسة التدرج، في حين أن “داعش” يعمل بسياسة “حرق المراحل”.

السيناريو الثالث: الانفتاح الحضاري والثقافي على المستويات كافة، ثم تجديد الأُطر والهياكل السياسية والاجتماعية، التي أصبح بعضها منتهي الصلاحية وخارج العصر، وفتح فضاء العمل السياسي والعام مع إطلاق الحريات، وذلك للبدء بشكل جدّي بمشاريع بناء دول مدنيّة ديمقراطية حديثة تشارك الشعوب في إدارتها بمكوناتها الاجتماعية-السياسية كافة ومرجعياتها الفكرية المختلفة، وذلك من خلال دساتير مدنيّة ديمقراطية عصرية تقوم على أساس المواطنة الدستورية المتساوية في الحقوق والواجبات.

والآن، وبعد مضي أكثر من عام على ذلك، فمن الواضح أي سيناريو اختارت دول مجلس التعاون الخليجي للتعامل مع الإرهاب الأسود الذي تُمثله تيارات اليمن الديني الفاشي، حيث إنها تجاهلت تماماً السيناريو الثالث، وركزت بشكل مُكثّف على البديل الأمني البوليسي ذي التأثير المُكلف والمؤقت، ثم قامت بفتح خطوط اتصالات سياسية جديدة مع جماعات الإسلام السياسي مثل جماعة الإخوان والجماعة السلفية، أو قوى ما يُسمى “التشيع السياسي” بالذات في الكويت، على الرغم من أن هذه الجماعات لا تعترف بالقيم الديمقراطية والحريات والتقدم الاجتماعي، وتستخدم الشعارات الدينية من أجل مصالح سياسية، وهو الأمر الذي يعني أن البيئة السياسية والاجتماعية المتخلفة والحاضنة للقوى المتطرفة والمنغلقة والمتزمتة، والتي تشجع على الإرهاب الفكري والسياسي وقمع الحريات العامة والشخصية، ما زالت موجودة، وهي بيئة مناسبة، مع الأسف، لنمو قوى الإرهاب الأسود الذي يُهدد وجودنا جميعاً.