كتاب سبر

هل تغير الدكتور عبدالله النفيسي؟.. دعونا نعينه على هذا!

في تغريدة أخيرا له يقول الدكتور عبدالله النفيسي:

“كل الذي أطلبه ألا ندخل في مواجهات غير محسوبة النتائج ونقتصد في قوانا فالحاصل أننا نبذر كثيرا في هذه القوى”.

وأقول له:

أسأل الله أن يوفقني لخوض نقاش حول طروحاتك الأخيرة.. لقد طرحت نقاطا عميقة والأمر الكلي أعمق منها بكثير.. أما القارئ المهتم فأقول له بأنه سيكون جميلا الخوض في الأفكار الواقعية الجديدة للدكتور عبدالله والتي وإن بدت غامضة للبعض إلا أني أفهمها جيدا.. وبصدر رحب!

لعل البعض الغارق في مسألة عسكر وإخوان المصرية (الصغيرة) يعتبر الرجل مناهضا للإمارات لصالح قطر، والبعض يراه ناقدا للنظام السعودي وهذا (بتقديري على الأقل) غير صحيح!

والنفيسي وإن قسى على الإمارات في مرات فهذه من شطحاته، ولكنه انتقد قطر قبل الإمارات، وسبق أن أبعد عن الكويت وطنه الشخصي.. فالمسألة معتادة!

في يوم روى النفيسي قصة عن قطر وهو في قطر!

كان في مقابلة مع الجزيرة وانتقد دعوة الدوحة للإسرائيليين لقمة الدوحة الاقتصادية.. وأيامها كان النفيسي أسس جبهة في الكويت باسم (جبهة مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني).. في تلك الفترة كان هناك اندفاع في مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، ومن باب دعم المفاوضات تم فبركة نوع من المفاوضات أسميت المتعددة وأشركت بها كل دول العالم (تقريبا) لتطمين الإسرائيليين على مستقبلهم بالسلام!.. كان هناك مفاوضات حول المياه في مسقط، ومفاوضات حول البيئة في مدريد ومفاوضات حول التعاون الاقتصادي في الدوحة، ومفاوضات حول الجراد!.. ألخ.

وقد قال النفيسي في لقائه (لا أعلم ما الذي تستفيده قطر من الإسرائيليين.. وأتساءل هل يحب الأمير الإسرائيليين!؟)، ثم غادر القناة إلى الفندق، وخلال وقت قصير اتصلوا به وأبلغوه أن سمو أمير دولة قطر يريد أن يراه!.. ثم أخذوه إلى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني فإذا به قد استعد لجلسة ودية معه ليبادره إلى القول فورا: أنا لا أحب الإسرائيليين.. هذا هو الذي يحبهم.. وأشار إلى سمو الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وزير الخارجية.. آنذاك!

ثم شرح الشيخ حمد وضعه مع دول الخليج التي لم تبد حماسا لها لصالح والده (وسأختصر هنا لأن الزمن تجاوز هذه المرحلة وقد يكون طرح ملابساتها حساسا ومزعجا ولهذا أمتنع فنحن بالنهاية نقصد المصلحة العليا لا نبش جروح اندملت)، وشرح أسباب القمة الاقتصادية، وتمكن بطريق أو بأخرى من إقناع النفيسي بأن الأمر ينطوي على (براغماتية) ضرورية يحتاجها، وتلبي رغبات الفلسطينيين أنفسهم، أو أنه برأ نفسه من حب اليهود، وألصق ذلك بوزير نشط كان يريد خلق دور عالمي لبلده الصغير ونجح في ذلك من بوابة إيجاد محطة إعلامية عملاقة (قناة الجزيرة) مع ذراع مالية مؤثرة، وتكون رصيدا في تنافس إقليمي قاتل فرضه الأميركيون على الجميع في تنافسات إثبات الأهلية والجدارة، مع إدراك الكل أن السبب هو العجز العام

عن إيجاد تضامن عربي موحد وحقيقي إزاء القضايا الرئيسية ومنها الصراع مع إسرائيل أو مواجهة تمدد إيران أو غيرها.

ولعل الأوجع في هذا المضمار هو وجود سياستين لكل بلد، واحدة فوق الطاولة معلنة يتسلى بها الإعلام الرسمي، وأخرى تحت الطاولة تلبي شروط العجز، والحاجة إلى الحليف، وتمارس الحذر و (التقية) من المنافسين والطامعين!

اليوم صار الإعلام أكثر وضوحا ولم يعد ممكنا إخفاء حتى ما في الصدور، فالناس تعيش الحدث على الهواء مباشرة، وسأضرب مثالين لاحظهما الكل خلال أسبوعين، حيث شهدت باريس مؤتمرا للمعارضة الإيرانية يعد أضخم مؤتمر لأي معارضة على مستوى العالم، وغابت عنه قناة الجزيرة كليا!.. وخلال أيام وقع انقلاب فاشل في تركية، لبى فيها الانقسام النفسي بين (الجزيرة) و (العربية) ما هو قائم في الشارع من انقسام!.. فالذين يؤيدون إردوغان تابعوا الأولى، والذين لا يريدون إردوغان تابعوا الثانية!

وهذا يعيدنا إلى أيام انطلقت الجزيرة لتكون ذراع قوة إعلامية لقطر، ويعيدنا إلى التحفظالخليجي المستمرة بعض شظاياه على الجزيرة، فتم إنشاء العربية أساسا للرد عليها، لأتذكر ما قاله عضر تأسيسها المرحوم د. أحمد الربعي عند التداول في اسمها: (هي الجزيرة ونحن العربية)!..

فلما انطلقت مع الحرب الأميركية على صدام حسين سابقت الجزيرة في إعلاء شأن القوة العراقية للحصول على تأييد الشارع العربي العاطفي.

كان المشهد سورياليا تماما، يختلط فيه الحابل بالنابل، فهذا الرأي العام لا ينقسم بعبثية فقط، ولكنه يعج بالغباء وسوء الفهم، وأيضا.. المرتزقة!

ولكن دون إسهاب ومن هنا أيها الأخ الكريم.. سأبدأ من حيث انتهيت:

في مسألة المراجعة فهي ضرورية ولا بد أن نفتح أولا واقعنا ونفوسنا.

أما واقعنا فنراه جميعا فنحن في آخر الصف الدولي في التنمية والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية وفي البنى التحتية والنظافة، والترتيب، والحكومة الإلكترونية، والخدمات وفي كل شيء.

أما عن النفوس فإني أقسم لك يمينا بأن كل ملوك وأمراء وزعماء العرب والمسلمين يرجون من الله زوال إسرائيل ويبغضون الصهيونية مثلي ومثلك وغيرنا.. لكن العجز يا صديقي أسوأ من الخيانة، والخيانة أقل ضررا على الأمة في ظل العجز من المغامرة والمقامرة.

لقد خرجت أمتنا من الخلافة العثمانية بل مما قبلها ومنذ اهيار دولة العباسيين ممزقة شر ممزق، وكانت الفترة التركية المتخلفة الختامية وبالا علينا، ثم جاء الاستعمار فأنشأ هذه الكيانات الوطنية المتنافسة والمتصارعة، ثم دخلنا زمنا من مغامرات اليسارية الطفولية، والعسكرية الحمقاء، والحزبية المتوحشة، وحفر ونبش الأقليات بجسد الأمة جراء الفشل باحتوائها وإرضائها بمشروع نهضة حقيقي، وقامت دولة اليهود، وظل الاستهداف الخارجي مانعا لكل يقظة ليعزز انتصاراته وأغراضه ضدنا المغامرون والمتسرعون قبل الخونة والمتكاسلون الساكنون.

نحن في السابق لم نكن نملك مشروعا للبناء.. مجرد البناء والتحديث وإسعاد المواطن،ولكننا نحاول الآن أن نتلمس إلى ذلك طريقا خارج ما أسفر عنه الواقع السابق من الخراب والدمار.

هناك الآن مع احترام كل الملاحظات مشروع نهضة عربي تقوده السعودية أو يا سيدي قل (فرضته عليها الظروف)، ولكنه مشروع ويمكن البناء عليه بمواظبة حتى ينتصر، وهو يعرف قدراته بمواجهة إسرائيل فيصبر ولا يغامر، ويدرك حقيقة الخطر المجوسي المتغول والمغامر ودخل في مواجهة معه لا يمكنه التنصل منها لأنه سيفقد شعبيته إن رضخ لإيران، فضلا عن أنه مستفز للغرب ولكن دون مواجهة ساخنة، ويحاول التعايش معه من منطلق المصالح المتبادلة، لأقودك هنا إلى سلاح أبعد مدى مما تضمنه تصريح عادل الجبير وزير الخارجية السعودي التهديدي في شأن سحب الاستثمارات والأموال من الغرب ردا على مطالبات تتقصد غدانة وابتزاز السعودية، وهو تخلي السعودية (إن ضغطوها زيادة عن اللزوم) عن تسعير النفط بالدولار، وكذلك التحول لدول أخرى عالمية كالصين والبرازيل والهند وروسيا وفرنسا وغيرها، وهو ما تراه يشمل قفازات ناعمة ومقدور عليها طالما أن القيادة واعية ومرنة وغير صدامية.

المحصلة أن لدينا مشروع، وصحيح أن (الجماعة) لا يستجيبون لاقتراحك بالكونفيدرالية، لكنهم في النهاية يتكاملون غصبا عن لحاهم لأن هذه طبيعة الظرف والتطور التراكمي للمنطقة وضغوط المكون السكاني المتحفز ضد إيران، وانتشار الوعي، وتشابك المصالح، فليس من بلد خليجي الآن خارج هذا النطاق، وإذا عدت لما كان من خلاف قطر والإمارات (مثلا) فهو بمنظور استراتيجي لا يتعدى خلاف شقيقين في بيت واحد: هذا يحب صفار البيض والآخر يحب بياضه، ولكن عند الجد فإن الطيارين القطريين يتبادلون النكات والابتسامات في الجو مع الطيارين الإماراتيين في سماء عاصفة الحزم ورعد الشمال، وعند أي عدوان ستجد هؤلاء صفا واحدا صلبا متماسكا، وفي النهاية فإن مونديال الدوحة يراقص اكسبو دبي في تماهٍ يخدم جميع دول المنطقة معنويا واقتصاديا.

والأصل يا صديقي أن الإسلام انتصر.

هذا دين الختام ولا دين بعده، وما نمر به هي فترة ابتلاء مر بها حتى الصحابة مع أنهم وُعدوا بكنوز كسؤى وقيصر.

نحن لسنا في الزمن الذي كان الله يبعث فيه كل 200 عام رسولا جديدا ليهدي الناس بعد أن يضلوا ويشركوا.. نحن في زمن دين محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أماته الله نبيه بعد أن أبلغ رسالة ختامية لم تفلت منها كلمة واحدة يريدها الله للعالمين، وبالتالي فهذا الدين سينتصر شاء من شاء وأبى من أبى.

لكن النبي بالمقابل علمنا أن هناك للبشر ما هو ممكن ضمن معطياته الواقعية، وأن هناك ما بيد الله القدير وحده فقط، فرأينا الله يعرج بنبيه إلى سابع سماء بمسافات خيالية لا يبلغها العقل في ساعة أو ساعات، ورأينا رسوله يهاجر مسافة 450 كيلو متر في أسابيع متخفيا متعرجا ليتجنب الأذى.

وكان السفر الأول في علم الغيب وغير المحسوس، وكان السفر الثاني حقيقة واقعة تشهد لها أراضي الحجاز وكل العالم.

وهنا الحكمة البليغة لرسالة يقول مرسلها جل شأنه لمتلقيها: “اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشونِ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” المائدة 3، وهنا الحكمة يا صديقي من أن العراق حسب أحاديث النبي تخرج منه الفتن، وأن الله يظل على الشام أجنحة ملائكته، وأنه تكفل لرسوله بأرض الشام، وأننا سنتبر ما علا اليهود تتبيرا، وأن الدجال سيتبعه من أرض فارس 70 ألفا من يهود أصفهان عليهم الطيالس.

من هنا فنحن بمواجهة لا مناص منها، لكنها أيضا وفي جانب تحتمل عدم استعداء العالم والسعي لكسب الأصدقاء وإثبات الأهلية والجدارة.. نحن في حاجة إلى الصبر وإطفاء الفتن، وبحاجة إلى البناء وقهر الفقر، وتوعية الشعوب، وتعزيز القيم النبيلة بالعطاء والبذل وغرس التفاؤل في شبابنا.

إنني أدعوك غلى مساندة المشروع العربي الذي تقوده السعودية، وتجاوز عقدة عسكر وإخوان، وتركية وإردوغان، فالخطر الآن ماثل فقط من إيران.

ربما يتاح لك أداء العمرة إلى كعبة العالمين، وزيارة رسول العالمين، وستجد أنك في بقعة هي عاصمة العالم كله، تهفو إليها القلوب وتفيض المهج بالحب لتلحظ من هناك أن جزيرة العرب فعلا تعود بإذن الله مروجا وأنهارا، وتزدهر بناء وشموخا وإعمارا، تماما كما أبلغ النبي صلى الله عليه وسلم.

ولك كل ما يحلو لك من ذهنية النقد والنصح، فهم يعملون فوق ركام مما يتطلب الإصلاح والتحفيز، لكن هناك بدايات طيبة وثقيلة ومبشرة في عهد هذا الملك سلمان بن عبدالعزيز.. فتفاءل يرحمك الله.

شكرا لك يا دكتور عبدالله.. وسامحني.. والسلام عليكم.

4 تعليقات

أضغط هنا لإضافة تعليق