أقلامهم

فالح بن حجري : ثور البنزين الأحمر وتجار المخدات

لو سألتم “البنزين الأحمر” عن شعوره بعد رفع أسعاره لما زاد على قوله: “أُكلت يوم أكل الديزل الأصفر”، هكذا وكمحاكاة لقصة الثيران الثلاثة في كتاب كليلة ودمنة يمكن فهم تداعيات قرار رفع سعر البنزين الأخير، بعيداً عن تطمينات وزارة التجارة وإبر اجتماعات النواب المخدرة، فما جرى قبلاً منذ شهور على الديزل وشقيقه الكيروسين سيجري حتماً على أخيهما البنزين والتفاصيل واحدة.

سترتفع الأسعار وسيخوض ديناركم معارك طاحنة شتى على جبهات هي أصلا مستعرة، يكسوها دخان وحديد ونار الغلاء، وستصيح الخمسة دنانير من رواتبكم انجي يا “عشرة” فقد هلكت “العشرين”، وستقصف ميزانيتكم بقذائف التضخم ليلا ونهاراً، وستصليكم رشاشات الفواتير ببارود سعيرها بكرة وعشيا، وبالأخير هي معارك عبثية سيداتي آنساتي سادتي تخاض من معاليكم على جبهات استنزاف خطأ، وكان بالإمكان تجنبها لو اخترتم فقط “الجبهة الصح”، أو جبهة الواقع التي تركت خنادقها “تَصفِر” لتتفرغوا للتصفير والتصفيق وراء موكب خيال أدمنتم عليه حتى الثمالة، نعم أنتم تعيشون حالة إدمان على “صنف خيال فاخر” يروجه بينكم ساسة الانتخابات ومثقفو الأبراج العاجية ونمور ورق “السوشيال ميديا”، وغيرهم من “تجار المخدات”، هؤلاء الذين يخدرون شعوركم يومياً حتى ينام ويرتفع شخير تحلطمه عاليا، ليصرفوكم عن المطب الحقيقي الذي وقعتم فيه.

وجبهة الواقع التي أقصدها هي مجلس الأمة، والمطب هو تخليكم عنه، والتخلي هنا كان عبر طريقين اختلف مسارهما، ولكن تقاطعا في نقطة واحدة تسمى “السلبية”، نصفكم شارك جهلاً ليفرغ المجلس من قوته، فاختار مجلساً ضعيفاً هزيلاً عندما لا يكون منشغلاً بمشاريع “شاي الضحى” يحاول القيام بدور الزوج المخدوع الذي هو آخر من يعلم، ونصفكم قاطع عناداً ليحرم مجلساً قويا من تعديل موازين القوى بين الجناحين التنفيذي والتشريعي، ودعكم من كلام الليل الذي يروجه بينكم ذوو الفانتازيا السياسية وذوو فاشونستا قهوة الصباح من مثقفي الغفلة وتجار جملة ومفرق مشاعر الدغدغة الشعبية، فكلام ليل تنظيرهم سيمحوه نهار التجارب السابقة خلال أربع سنوات أكدت حقيقة أنه بدون وجود مجلس أمة قوي لا وجود لتأثير شعبي آخر يستطيع ضبط الجنون الذي تمارسه الحكومة حاليا، هذا الجنون الذي جعل المواطن البسيط هدفا أوحداً وانتقائياً لسهام الإصلاح الاقتصادي رغم “أعذار ملّوح” التي تتحفنا بها يوميا بيانات الوزراء وتصريحات النواب، كل تاريخنا منذ المجلس التأسيسي إلى اليوم أثبتت أن قبة عبدالله السالم هي أقوى قلعة للشعب، وهي قوس قزح الذي نفرح لرويئته لأنه عهد أمان ديمقراطي يحمينا من كل سيل قرارات فردية تحاول الوصول إلى سدود دستورنا لتغرق حقول قمح معيشتنا، كل تاريخنا يشهد أن الحكومة لن تتجرأ على إصدار قرارات فردية انتقائية تضر المواطن البسيط، وهي تعرف أن هناك مجلس أمة قوياً ينتظرها عند “رأس العاير” الدستوري، هذا واقع إن شئتم عضوا عليه بأضراسكم أو عضوا ألسنتكم حسرة وتحلطماً كما تشاؤون في مواقع التواصل والديوانيات والقهاوي، فما تحلطمكم إلا زوبعة في فنجال لا تغني ولا تسمن من جوع، زوبعة فنجال تحلطم لن تصمد للحظة واحدة أمام أعاصير “دلال القرارات” القادمة التي تفوح بالقهوة السادة المسفوحة بعزاء الإصلاح الاقتصادي الحقيقي، والمبهرة بمسمار العجز المالي الذي دق وسط جدران “شهادة رواتبنا”.

بالأخير “خذوها مني كاش” وباختصار، مليون هاشتاق ومليار رتويت وترليون تغريدة تزجون بها على جبهات العبث التحلطمي لا تساوي إصبعا واحداً لنائب قوي أمين يمثل الأمة يشير نحو المنصة قائلاً للحكومة… الوعد هناك.