أقلامهم

عبدالعزيز الفضلي : ملْحمةُ حلب درسٌ للعرب

في الوقت الذي كانت فيه معظم المؤشرات توحي بقرب سقوط مدينة حلب في أيدي النظام السوري وسادته الروس وأعوانه الإيرانيين، وشركائه من حزب الشيطان.

وفي الوقت الذي تم فيه إحكام الحصار على المدينة من جميع الاتجاهات، ولم يبق سوى اقتحامها من قبل النظام.

وفي الوقت الذي تبجّح به بعض قادة الروس العسكريين وظنوا أن انتصارهم على الثوار أصبح قاب قوسين أو أدنى، فأعلنوا عن توفير ممرات آمنة لمن أراد الخروج من حلب سواء من المدنيين أو العسكريين.

وفي الوقت الذي تهيأ فيه النظام السوري وزبانيته والأبواق الإعلامية التابعة له ومناصريه في عواصم الظلام موسكو وطهران وبغداد والضاحية الجنوبية بلبنان من أجل إظهار الشماتة بالضحايا، والرقص على دماء الأبرياء، يُذكّروننا بحال “أبي جهل” قبل قتال المسلمين في غزوة بدر حين قال بكل استكبار وزهو وخيلاء:”لا نرجع حتى نرِدُ بدرًا ونقيم بها ثلاثا، فننحر الجزور ونسقي الخمر وتعزف القِيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا”.

فمع كل هذه الصورة المعتمة التي كان الكثيرون يتوقعون حدوثها، إلا أن إرادة الله كانت فوق كل إرادة، وعزيمة أبطال أهل الشام الذين سطروا “ملحمة حلب” صنعت المعجزات وقلبت كل التوقعات.

فتمكن المجاهدون والثوار من فك الحصار عن المدينة بعد أن باغتوا النظام وأعوانه، وهاجموهم من جهات لم يكونوا يتوقعونها، مما جعلهم يجرّون أذيال الهزيمة، ويهرب القادة قبل الجنود، والكل يقول: نفسي نفسي!!

إن في تحقق هذا النصر دروس وعبر، يجب الاستفادة منها على المستوى العربي والإسلامي.

ومن أولها الاعتقاد الجازم بأنه لا ناصر إلا الله، وأن الله تعالى هو المعزّ المذلّ وهو الذي يقول للشيء كن فيكون.

ولهذا كان لابد من أن تتعلق القلوب بـالله وتطلب النصر منه وهو القائل “إن ينصُرْكم الله فلا غالب لكم وإن يخْذُلْكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون”.

والأمر الثاني أهمية إعداد العدة وبذل الأسباب “وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ” وقد أعدت المعارضة عدتها ورسمت خطتها وجهزت أسلحتها.

والأمر الثالث – وهو من أهم الأسباب – ألا وهو جمع الكلمة وتوحيد الصف ونبذ الفرقة والخلاف، قال الله تعالى “يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيانٌ مرصوص”، ويبغض سبحانه النزاع والخلاف وقد حذّر منه “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”.

وقد رأينا كيف توحّدت صفوف المجاهدين واجتمعوا على كلمة سواء فحقق الله تعالى لها النصر على عدوهم.

والأمر الرابع استخدام سلاح الدعاء والتضرع إلى الله تعالى فإنه من أقوى الأسلحة في مواجهة العدو، وقد رفع المسلمون أياديهم إلى الله في مختلف أصقاع الأرض، داعين الله تعالى أن يمكّن للمجاهدين ويسدد رميهم وينصرهم على عدو الله وعدوهم.

فاستجاب الله تعالى دعاءهم “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أُجيب دعوة الداعِ إذا دعان”.

والدرس الخامس أن نعيش التفاؤل في حياتنا ونحسن الظن بربنا “ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”.

إن بشائر النصر والخير تتوالى على الأمة الإسلامية واحدة بعد الأخرى، فمن فشل الانقلاب العسكري في تركيا، إلى فك الحصار عن حلب، وتقدم الثوار لطرد قوات النظام من المدينة كلها.

فتفاءلوا واستبشروا والقادم أفضل بإذن الله تعالى.

“والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.