أقلامهم

كمال أوزتورك : المحاولة الانقلابية في تركيا كانت جزءًا من سيناريو رهيب

هناك في العالم الإسلامي أربعة بلدان كبيرة ومهمة، هي تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر وإيران. إن تلك البلدان تمثل أرجل الطاولة الأربعة. العالم الإسلامي كالطاولة، يقف على هذه الأرجل الأربعة. لقد ركزت جميع الهجمات الأخيرة خلال السنوات الخمس الماضية على كسر تلك الأرجل.

اقتلاع الأرجل واحدة تلو الأخرى

تم اقتلاع إيران من جسد العالم الإسلامي عبر صفقة حول برنامجها النووي مقابل رفع الحصار وتحسين العلاقات مع الغرب، وعبر دخولها في معترك الحرب الأهلية السورية، وتوفير المناخ الملائم لانتهاجها سياسات طائفية تتمحور حول المذهب الشيعي. وهكذا فقد تم اقتلاع إحدى الأرجل بمحض إرادته لزعزعة استقرار العالم الإسلامي وبات هذا الجزء يتخندق في الجبهة المقابلة.

أما الرجل الأخرى وهي مصر، فقد شهدت انقلابًا عسكريًا أطاح بحكومة منتخبة. أسهم في نجاح الانقلاب عدد من المسؤولين السابقين في الاستخبارات والذين بات من المعروف أنهم يعملون لصالح إسرائيل أمثال دحلان وأحمد شفيق. . أما الغرب والولايات المتحدة فقد شجعا منذ البداية هذا الانقلاب. فسقطت مصر، وتم قلب مسيرة الربيع العربي واقتلاع الرجل الثانية والمهمة في العالم الإسلامي.

أما المملكة العربية السعودية، فقد استطاعت التصدي لمحاولات زعزعة استقرارها من خلال قضية اليمن والبحرين والاضطرابات الداخل التي يقوم بها بعض أتباع المذهب الشيعي. . تواصل السعودية مقاومتها لجميع تلك الأجندات .

الانقلاب المرحلة الثالثة من السيناريو

وأخيرًا، تم إطلاق عملية لإسقاط تركيا التي تمثل الرجل الرابعة والأقوى لهذه الطاولة. كانت هنالك مساعٍ حثيثة من أجل قلب نظام الحكم في تركيا خلال السنوات الخمس الماضية، وذلك من عبر أحداث حديقة “كَزي بارك” (مظاهرات ميدان تقسيم وسط إسطنبول)، ومحاولة اعتقال رئيس الاستخبارات التركية خاقان فيدان، وقلب نظام الحكم باستخدام القضاء، وهجمات منظمة “بي كا كا” الإرهابية، ومجازر تنظيم “داعش” الإرهابي، وأخيرًا محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو الماضي. إن هذه الهجمات التي استهدفت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم تصل إلى النجاح الكامل، ولكنها غيرت إلى حد كبير اهتمامات تركيا تجاه العالم الإسلامي.

لم تتلق تركيا الدعم المطلوب من الولايات المتحدة وأوروبا، تم عزلها وتركها وحيدة. أما وسائل الإعلام الغربية، فعوضًا عن إدانة الانقلاب الذي استهدف الديمقراطية، حرصت على توجيه الاتهامات لأردوغان بالسعي لإنشاء “نظام استبدادي”.

وكما يبدو، فإن تلك الأرجل الأربعة التي يقوم عليها العالم الإسلامي، تم فصلها عن بعضها بحرفية ومن ثم تعطيلها. ومع ذلك، لم يكتفوا عند هذا الحد، فقاموا بتقسيم كل من اليمن، وليبيا، والعراق، وسوريا على أرض الواقع، وتعميق الفوضى والإرهاب على أوسع نطاق في جميع البلدان الإسلامية. فدُمّرت المدن وقُتِل مئات الآلاف من الأشخاص، وأصبح الملايين من السكان لاجئين في أصقاع الأرض.

ولعدم السماح لأوروبا بالتدخل في هذه الأزمة تم نشر إرهاب تنظيم داعش والعداء تجاه الإسلام فيها. وهكذا دفع بالعالم الإسلامي نحو فوضى عارمة، وتم عزله لكي لا يجد أي دعم.

حرب بين تركيا وإيران

لو كتب النجاح للمحاولة الانقلابية في تركيا، لكانت البلاد بصدد التعرض لهجمات يشنها تنظيم داعش ومسلحون من ميليشيات شيعية وأخرى من منظمة “بي كا كا” انطلاقًا من العراق وسوريا. وهكذا كانت منطقة شرقي تركيا ستذهب فعليًا نحو التقسيم. لا سيما وأن بعض الضباط سحبوا خلال محاولة الانقلاب الفاشل قوات حرس الحدود في المناطق الشرقية لتوفير المناخات الملائمة لتلك الخطة.

ويقال أيضًا إن الخطة كانت تتضمن افتعال حرب بين إيران وتركيا بعد نجاح الانقلاب. ووفق الخطة كان الجيش المصاب بالشلل والمرهق بفعل الأزمات الداخلية والفوضى سيجر تركيا إلى حرب مع إيران تحت ذريعة وقف التمدد الشيعي والهجمات الشيعية القادمة من سوريا، وتمامًا مثلما حدث في العراق وسوريا، كانت المناخات ستوفر لإيران من أجل الاستيلاء على تركيا، بدعم غربي. وبالتالي، تسليم إيران مفاتيح الرقابة وضمان استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة.

قد يبدو ذلك السيناريو غير عقلاني. وأنا باعتباري كاتبا يعارض منذ البداية نظريات المؤامرة كنت أرى أن هذا السيناريو غير منطقي. أما الآن، فإني أرى أن المجموعات القوية داخل الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل وإيران وألمانيا وفرنسا والأوساط الرأسمالية كانت متحمسة جدًا لهذا السيناريو. لذا فإن جميع التطورات التي شهدناها لا تشير إلى نظرية مؤامرة، بل تبين وجود إستراتيجية يجري تطبيقها.

إن هذا السيناريو مخيف بقدر ما هو سيء، ويبدو أن تأثيرات فشل الانقلاب قد أوقف احتمال تكرره لفترة من الوقت، وأعتقد أن قدرة الشعب على وقف الانقلاب وإفشاله لم يكن ضمن حساب كاتب السيناريو. لذا فهم الآن منكبون على تأليف سيناريوهات وخطط جديدة.

ينبغي للعالم الإسلامي السعي لإقامة تحالفات خير تواجه الشر. وإلا سوف نُستَعبد جميعًا.