أقلامهم

ابراهيم المليفي: السياسة أقوى من البحتري

الخروج من– تعاطي– السياسة وهم شبيه بمن دخل في التجارة مع المافيا ثم قرر الخروج منها، هو سيخرج بالتأكيد ولكن ليس وهو على قيد الحياة؛ لأن الأمور كانت واضحة وصريحة من البداية، يا أبيض يا رصاصة في الرأس.

شخصيا لا أريد الخروج من السياسة ولا أفكر بذلك، ليس لأنها ممتعة أو مفيدة ولكن لأن فهم الدوافع التي تحركها شيء ضروري للتحوط من مضارها ولرسم الملامح الغامقة لمستقبلها، وأخيرا لرد كيد السياسة عن الثقافة، ولي في ذلك قول طويل عريض ليس الآن مجاله، ولكن يمكن اختصاره بالقول إن أحلام وصول من يفهم بالثقافة إلى سدة اتخاذ القرار لن تتحقق بجهل أو تجاهل المثقف لما يدور حوله في عالم السياسة، خصوصا من يعرف مكان العطب ويصمت طمعا في التحول إلى قطعة ديكور ضمن طاقم أصحاب المعالي.

مع الأسف للسياسة قدرة خارقة على فرض حضورها ولو بصورة رمزية، بالأمس القريب قررت السباحة في شعر البحتري واخترت كتاب الدكتور خليفة الوقيان “شعر البحتري.. دراسة فنية”، صادر عن “عين” للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، سارت الأمور بشكل جيد وتعرفنا على مقومات صناعة البحتري لشعره وموضوعاته وعناصر ثقافته، حتى أطلت “منبج” برأسها وأخبارها لتفسد العالم الشعري الذي عشته، ولتسحبني منه إلى المشهد الدامي في سورية.

منبج مدينة سورية ذاع صيتها مؤخرا بعد تحريرها من عناصر “داعش” على يد قوات سورية الديمقراطية، ولد فيها شاعرنا أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى بن عبيد والملقب بالبحتري، وولد أيضا في منبج الشاعر عمر أبو ريشة (1910م– 1990م)، وفي أيام الدولة الحمدانية خلال العصر العباسي تولى منبج الأمير الشاعر أبو فراس الحمداني.

الآن كيف الخروج من ربقة اسم ذكر بشكل عابر في كتاب الوقيان؟ لم أجد سوى طريقتين: الأولى استكمال القراءة وهذا ما حصل بصعوبة، خصوصا تداخل الكثير من محطات الكتاب شعرا ونصا مع محطات عاشها البحتري ضمن العصر العباسي، والثانية عرض هذه الحالة على المهتمين بكتابة هذا المقال، كيف يمكن رفع الأسوار من حول موضوع محدد بغية الانفراد فيه بشكل كامل؟

في الختام ما سبق مجرد مثال خفيف على مساوئ السياسة لأن الحالة فردية جدا، وإذا ما أردتم المزيد فقط فتذكروا كيف “خربت” السياسة فرحة أهل الكويت بفوز الراميين الديحاني والطرقي في أولمبياد “ريو”، مع أن الحدث رياضي وكل تفاصيله الظاهرة رياضة في رياضة.