عربي وعالمي

وول ستريت : لماذا يعتقد خامنئي أنه الفائز ؟

“لماذا يعتقد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله على خامنئي أنه الفائز الأكبر من الاتفاق النووي الإيراني؟”، هذا هو التساؤل الذي تناوله جاي سولمون، كبير مراسلي الشؤون الخارجية لصحيفة وول ستريت جورنال، في تحليل موسع، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة كانت تأمل أن يعزز الاتفاق المعتدلين في إيران، ولكن بعد مرور أكثر من عام على الاتفاق، يبدو أن خامنئي وحلفاء هم الفائزون في هذه الصفقة.

ويشير الكاتب إلى أنه على الرغم من ابرام الاتفاق التاريخي مع إيران للحد من برنامجها النووي، فإن خطابات المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله خامنئي لم تتوقف عن مناهضة الولايات المتحدة، والأدهى من ذلك أن الخطاب الذي ألقاه مؤخراً في الأول من أغسطس (آب) الجاري بطهران قد وصل إلى مستوى جديد، حيث اتهم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بانتهاج “سياسة الترهيب” ضد إيران وعدم رفع العقوبات بطريقة تنعكس على “حياة الشعب الإيراني”.

لا انسحاب من النووي الإيراني

وعلاوة على ذلك، رفض خامنئي التعاون مع الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، متذرعاً بأن تجربة إيران مع الاتفاق النووي أوضحت أن الأمريكيين “غير جديرين بالثقة”. وبحسب الكاتب، فإنه من غير المحتمل أن تنسحب إيران من الاتفاق النووي، ومن ثم فإن خطاب خامنئي يعتبر من المواقف السياسية الكلاسيكية التي يستهدف منها حشد أتباعه المتشددين، كما أنه يخفى وراء تهديداته حسابات إستراتيجية عميقة؛ فحتى مع كل شكواه من الغدر الأمريكي، فإن خامنئي وحلفاءه يدركون جيداً مدى استفادة نظام حكمهم المتعثر (الذي صعد إلى السلطة في ثورة عام 1979) من الاتفاق النووي.

وبرأي أوباما يستهدف الاتفاق النووي في المقام الأول الحد من تسليح إيران وتقييد برنامجها النووي لمدة عشر سنوات على الأقل، فضلاً عن الحيلولة دون تورط الولايات المتحدة في حرب أخرى بالشرق الأوسط. ويعتقد كبار الدبلوماسيين بالبيت الأبيض، ومن بينهم وزير الخارجية جون كيري، أن الاتفاق يفتح المجال للتقارب ما بين طهران وواشنطن، علاوة على تمكين القوى السياسية المعتدلة في إيران، وبخاصة رئيسها المنتخب حسن روحاني.

تمكين المتشددين

وينوه الكاتب إلى تحذير المسؤولين الأمريكيين من أن الأمر سوف يستغرق بعض الوقت لإحراز تقدم في التقارب مع إيران، واعترفوا أيضاً أنه على المدى القصير سيؤدى الاتفاق إلى تنشيط المتشددين المعارضين للتعامل مع الغرب، ويبدو أن هذا ما يحدث فعلاً.

فمنذ الإعلان عن الاتفاق النووي في الصيف الماضي، عمد خامنئي وقوات الحرس الثوري الإيراني إلى ترسيخ سيطرتهم على البلاد، ومع رفع العقوبات الدولية عن إيران، قام خامنئي وحلفاؤه الرئيسيون بتوسيع الجيش الإيراني والسعي نحو فرص عمل جديدة للشركات والمؤسسات التي تمول الكوادر الإيديولوجية الرئيسية لنظام الملالي الحاكم في إيران. وعلاوة على ذلك، واصلت إيران تمويل وتسليح حلفائها الإقليميين بما في ذلك نظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، الذين هم جميعهم في حرب مع حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، فضلاً عن استمرار النظام الإيراني في اختبار وتطوير الصواريخ الباليستية، واعتقال قادة المعارضة والنشطاء السياسيين.

خامنئي وقيود الاتفاق

وبموجب الاتفاق النووي، وافقت إيران على فرض قيود على برنامجها النووي؛ إذ كان لديها في السابق ما يقرب من 20 ألف جهاز طرد مركزي، التي تنتج الوقود النووي، وكانت إيران على أعتاب امتلاك اليورانيوم لصنع الأسلحة النووية ومفاعل لانتاج البلوتونيوم. واليوم تراجع عدد أجهزة الطرد المركزي إلى 5 آلاف فقط، وتم تعطيل العمل بمفاعل البلوتونيوم وشحن معظم اليورانيوم الإيراني المخصب إلى خارج البلاد. كما وافقت إيران على إخضاع مواقعها النووية للتفتيش الدولي وعدم تحويل المواد الانشطارية لأغراض عسكرية محظورة.

ويقول كاتب المقال: “ولكن يبدو أن خامنئي لديه وجهة نظر مختلفة بشأن تلك القيود، فبمجرد أن وافق المفاوضون الإيرانيون على شروط الاتفاق في شهر يوليو (تموز) 2014، ألقى خامنئي خطاباً حول البرنامج النووي (من دون التشاور مع كبير المفاوضين، وزير الخارجية جواد ظريف) أوضح فيه أن بلاده الغنية بالنفط تحتاج إلى 100 ألف جهاز طرد مركزي على الأقل لتشغيل برنامجها النووي المدني خلال العقود المقبلة، أي ما يفوق ما توصلت إليه إدارة أوباما بمقدار 20 ضعفاً. وتساءل الدبلوماسيون الغربيون آنذاك عما إذا كان المفاوضون الإيرانيون يتشاورن بالفعل مع المرشد الأعلى”.

خطة طويلة الأمد

ويضيف سولمون: “اعتبرت واشنطن تراجع عدد أجهزة الطرد المركزي إلى 5 آلاف فقط بمثابة انتصار كبير لمفاوضات النووي الإيراني، بيد أنها لم تتوقف عند القضية المهمة التالية: فبعد مرور عقد من الزمن، يتعين على المجتمع الدولي أن يتماشى مع رؤية خامنئي بأن إيران قادرة على تطوير نطاق صناعي لبرنامج نووي مدني من دون قيود أو فحص لأعداد أو قدرة أجهزة الطرد المركزي. ومن ثم فإن الولايات المتحدة حققت فوزاً قصير المدى بشأن التوسع في البرنامج النووي الإيراني، أما خامنئي فقد اكتسب موافقة دولية على خطته الطويلة الأمد”.

ويشير الكاتب إلى ما أعلنه المسؤولون الإيرانيون في الأسابيع الأخيرة بشأن استعداد إيران لبناء 10 مفاعلات نووية جديدة بمساعدة روسيا، الأمر الذي سوف يحتاج إلى إمدادات ثابتة من الوقود النووي من أجهزة الطرد المركزي التي سوف يزداد عددها بعد مرور عقد من الزمن.

إحياء الاقتصاد الإيراني

ومن ناحية أخرى، منح الاتفاق النووي خامنئي الكثير مما كان يطمح إليه لإحياء الاقتصاد الإيراني الذي كان يشهد أوقاتاً عصيبة نتيجة العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وخفض صادراتها النفطية إلى أكثر من النصف تقريباً، إضافة إلى انخفاض العملة الإيرانية (الريـال) بمقدار الثلثين مقابل الدولار، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وكلها أمور، بحسب الكاتب، تعطى الولايات المتحدة الفرصة لانتزاع تنازلات جديدة من طهران.

وبحسب مساعديه، نجح الرئيس روحاني في إقناع خامنئي بأن العقوبات تشكل تهديداً وجودياً للحكومة، وبالفعل تم رفع العقوبات بفضل الاتفاق النووي، ويبدو تأثير ذلك على الاقتصاد الإيراني غير واضحاً حتى الآن، لاسيما في ظل اتهامات القادة الإيرانيين بأن الولايات المتحدة لم تف بالتزاماتها.

وإلى حد كبير، عادت صادرات النفط الإيرانية إلى مستويات ما قبل عام 2012، ويتوقع البنك الدولي أن تشهد إيران نمواً يقترب من 5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المقبل، لكن البنوك الأوروبية والأسيوية لا تزال مترددة في تمويل مشاريع استثمارية في إيران، كما تحافظ وزارة الخزانة الأمريكية على الحظر المفروض على التعاملات مع إيران.

اقتصاد المقاومة

وعلى الرغم من هذا المسار المتواضع للنمو الاقتصادي، فإنه يصب في مصلحة خامنئي، إذ يرى محللون إيرانيون أن الأخير دوماً يحذر شعبه من أن الثقافة الغربية والاستثمارات الأجنبية يمكن أن تؤدي إلى تقويض الثورة الإسلامية الإيرانية وقيمها، ومن ثم يجب أن يبقى اقتصاد إيران مستقلاً عن الغرب ويحقق الاكتفاء الذاتي “اقتصاد المقاومة”.

ويقول سولمون: “يعمد خامنئي إلى إدارة الاقتصاد بالطريقة التي يريدها والتي تتبلور في الحصول ما يكفي من المال لتجنب الأزمة المالية، وليس الكثير من المال الذي يهدد نظامه، كما يهيمن كبار قادة الحرس الثوري الإيراني على كبرى الشركات الإيرانية، ويتم اعتقال الإيرانيين مزدوجي الجنسية لدرء النفوذ الأجنبي”.

خامنئي وبوتين

وفيما يتعلق بالقدرات العسكرية التقليدية، يشير كاتب المقال إلى أن الاتفاق النووي الإيراني لم يقدم الكثير للحد من طموحات إيران في هذا الصدد، والواقع أن خامنئي طالب بإنهاء العمل بقرار مجلس الأمن الدولي الذي يحظر على طهران تطوير الصواريخ الباليستية، وتم تلبيه رغبته، كما طالب أيضاً برفع الحظر على قدرة إيران لشراء أو تصدير الأسلحة التقليدية، وتمت الموافقة على ذلك ويتم التنفيذ في غضون 5 سنوات. ولم يتطرق الاتفاق النووي الإيراني إلى قضية تصدير إيران للأسلحة.

وخلافاً لتفاؤل المسؤولين الأمريكيين في أن يتم استخدام الاتفاق النووي للضغط على إيران لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بصفتها القوة الشيعية الكبرى في المنطقة، القادرة على إنهاء الصراعات في اليمن والعراق وسوريا، فإن الأمور لم تسر على هذا النحو المأمول؛ إذ كان خامنئي وجنرالاته يخططون لعملية عسكرية أوسع من ذلك بكثير في سوريا بالشراكة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ من أجل انقاذ نظام بشار الأسد في سوريا.

إرث خامنئي

ويخلص كاتب المقال إلى أن الاتفاق النووي يساهم في تعزيز إرث خامنئي ويجعله الأكثر نفوذاً في التأثير في منطقة الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تواجه الإدارة الأمريكية القادمة خياراً صعباً ما بين الاستمرار في العمل مع إيران على هذا النحو، أو تحدي المرشد الأعلى وحرسه الثوري الذي أدى الاتفاق النووي إلى ترسيخ حكمه على نحو متزايد.

وفي الحالتين سيكون خامنئي هو الفائز الأكبر، إذ إن انهيار الصفقة سيكون دليلاً على أن الأمريكين “غير جديرين بالثقة” وسيكون من الصعب الحصول على الموافقات على جولة أخرى لعقوبات الأمم المتحدة، وإذا استمر تطبيق الاتفاق فإن جيشه سوف يواصل تطوير الصواريخ والأسلحة التقليدية لكي تصبح إيران قوة نووية كامنة في غضون 10 سنوات