أقلامهم

عدنان فرزات: الشهر الأنيق

غالباً ما يكون في العائلة شخص واحد هو الأكثر تميزاً والأشد أناقة، وكذلك هو شهر سبتمبر أو أيلول، يشعرك هذا الشهر بأنه مميز بحضوره عن بقية عائلة السنة من الشهور.

هذا الشهر يزيح عن كاهلنا كتلة نار جاء بها الشهر السابق له أغسطس، آب، الذي يقولون عنه أهل الشام «آب اللهاب»، ثم ببراعة يستدرج سحابات المطر إيذاناً بقدوم أشهر الشتاء، لذلك كانت والدتي يرحمها الله تقول لنا «أيلول طرفه مبلول».

كل ما في سبتمبر (أيلول) يوحي بالشاعرية، حتى ورقه الأصفر الذي جمع ثلاثة عمالقة هم: فيروز وجوزيف حرب وفيلون وهبي في أغنية صحيح أنها قيلت عن شهر أيلول، لكنها تُسمع في كل الفصول، وهذا ربما يغيظ بقية الشهور، فمثلاً لو سمعتها في مارس (آذار) فسوف يحزن الأخير لأن الناس لا يتذكرون منه إلا التكتلات السياسية مثل جماعتيْ 8 آذار و14 آذار، اللتين سحبتا من آذار بساط الربيع ومناسبات حنونة كعيد الأم.

أيلول شهر مناسب جداً لاستيقاظ الذكريات، فهذا الإيقاع الشجي لأوراق الخريف يفتح لدى الكهول فما فوق خزانة الذكريات التي امتلأت ووصل أصحابها إلى مرحلة التقاعد الروحي من صخب الأيام ولم تعد لديهم الرغبة أو المغامرة لصنع ذكريات جديدة، فيطلون من نافذة الخريف على أوراق الأشجار، وهي تفارق أغصانها لتحل مكانها أوراق حديثة، كما هو دأب الحياة في التعامل مع البشر الذين يذهبون ويجيء غيرهم. ولا يتعامل أيلول مع الأشجار بسوية واحدة، فهو يترك لأشجار أخرى اخضرارها، ليس على سبيل التفرقة، لكن لأن أشجار الزيتون مثلاً تمثل السلام، ومن إنسانية أيلول أنه يبقي على السلام أخضر على الدوام. لذلك فشهر أيلول هو شهر فيلسوف حكيم، يعطينا درساً في ما لو تمعنا فيه أكثر وتأملنا خطواته الشجية على أرصفة الطرقات.
لو كان شهر أيلول يأتي على هيئة إنسان، لكان وصفه كالآتي: رجل في سن الحكمة، يرتدي معطفاً طويلاً ويحمل عصا المعلمين الفلاسفة في زمن الإغريق، قليل الكلام، ينظر بعينين تعلوهما سحابة من مطر قادم، ولأنه إنسان فلا بد أحياناً من أن يغضب فيحرك عصاه في الهواء لتهب عاصفة عابرة ما يلبث أن يندم عليها، فيعود للجو توازنه مع مسحة حزن كتلك التي يخلفها الهدوء بعد الغضب. أما لو كان أيلول امرأة، فسيكون مثل شهرزاد في جوها الساحر، تروي الحكايا المشوقة لرجل يكره النساء.. وتجعله يغير رأيه عند المساء.