أقلامهم

صالح القلاب : أي فراغ هذا؟!

المضحك فعلاً حتى حدود “القهقهة”، والاستلقاء على الظهر، أن الروس يواصلون محاولاتهم، في المفاوضات المستمرة في جنيف ولم تنقطع أبداً، لإقناع الأميركيين و”تبليعهم” بأن غياب بشار الأسد عن المشهد السوري، إن الآن وإن بعد 6 أشهر أو ثمانية عشر شهراً أو 6 سنوات أخرى… أو عشرين عاماً، سيؤدي إلى الفوضى والانهيار، وإلى وضع كالوضع الذي باتت تعيشه ليبيا بعد “تغييب” معمر القذافي بقتله بتلك الطريقة المرعبة التي شاهدها العالم بأسره، وحيث استطاع تنظيم داعش الإرهابي أن يصبح رقماً رئيسياً في المعادلة الليبية، وفي عدم قدرة المعارضة على توحيد صفوفها، وفرض نفسها على المستجدات التي ترتبت على غياب الدولة كدولة… أو الجماهيرية كجماهيرية.

والمضحك أن الروس، ومعهم إيران وبعض الذين يراقبون المشهد السوري عن بعد، يتمسكون بهذا المنطق “الأعوج”، ويحذرون من أن غياب الأسد سيؤدي إلى الفوضى والانهيار والتمزق وتعاظم نفوذ “داعش” والتنظيمات الإرهابية، وكأن سورية لم يصل بها الانهيار إلى أنها أصبحت أكثر من عشرين جزءاً، كل جزء منها يتحكم فيه تنظيم طائفي وافد أو قوات دولة غريبة متدخلة، وكأن عدد الذين قُتلوا في سجون بشار الأسد وزنازينه وبرصاص وقذائف “شبيحته” وبقية ما تبقى من قواته لم يتجاوز الستمئة ألف، وكأن هذه الدولة لم تعد موجودة كدولة!

أليست الأوضاع، التي باتت تعيشها سورية بعد 5 سنوات من فتح بشار الأسد أبوابها وحدودها ومطاراتها للإيرانيين والروس، ولكل هذه الشراذم الطائفية التي تم استيرادها من كل حدب وصوب، وبعدما وصلت أعداد أهلها الذين اضطروا إلى مغادرتها والنزوح عنها إلى كل هذه الأرقام الفلكية المرعبة، أسوأ بألف مرة من الأوضاع الليبية التي ترتبت على غياب أو تغييب القذافي، وهذا على كل سوئها وكارثيتها؟!

ثم، وهذا السؤال يجب أن يوجهه إلى الرئيس باراك أوباما، وإلى فلاديمير بوتين، وأيضاً إلى جون كيري وسيرغي لافروف: هل فعلاً بشار الأسد يمارس الآن ومنذ خمس سنوات ماضية صلاحياته كرئيس دولة، طالما أن القرار، وأي قرار لم يعد في يده، وإنما في يد الرئيس الروسي، وفي يد وزير خارجيته، وأيضاً في يد أصحاب السلطة في طهران، وقاسم سليماني، وأيضاً في يد حسن نصرالله، هذا الذي أكد أكثر من مرة أنه مقاتل في “فيلق الولي الفقيه”؟!

إن ما بات يعرفه ويقر به حتى بشار الأسد، ومعه رئيس وزرائه ووزير خارجيته الذي أصبح “شاهد ما شافش حاجة”… ويعرفه أيضاً الروس والأميركيون والإيرانيون، وكل من هب ودب، أن دمشق، التي أشبعت حتى حد التخمة بالاحتلال الطائفي – الإيراني، لم تعد عاصمة “الجمهورية العربية السورية”، وأن قاعدة “حميميم” قد حلت محلها وأخذت دورها… وأن القرار السوري الفعلي أصبح هناك وليس في قصر المهاجرين ولا في أي من القصور الرئاسية، بما فيها القصور الموجودة في القرداحة واللاذقية…؟

إن هذا واقع، ولذلك فإن على الروس أن يكفوا عن “الخياطة” بهذه المسألة إطلاقاً، وعلى الأميركيين ألا يتعاملوا مع هذا “الادعاء” الروسي… أي ادعاء الخوف من أن غياب الأسد سيؤدي إلى انهيار كانهيار ليبيا بعد القذافي… إن هذه كذبة مكشوفة، وهي ضحك على ذقون الأميركيين الذين يعرفون كل هذه الحقائق، لكنهم في بعض الأحيان، إن ليس في كل الأحيان، يتصرفون وكأنهم لا يسمعون ولا يرون ولا يعيشون في هذه الكرة الأرضية.