أقلامهم

سلمان الدوسري : الإرهاب الإيراني في “نيويورك تايمز”

عندما قرأت مقالة جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني في صحيفة «نيويورك تايمز»، التي اتهم فيها السعودية بأنها منبع الإرهاب، وأنها خلف كل مشكلات البشرية، مخوِّفًا القراء من بعبع «الوهابية»، تذكرت مقولة عظيمة لميشيل ليفي: «تستطيع ثنيها أو لفها، تشويهها أو مهاجمتها، لكن لا أحد يستطيع تغيير الحقيقة». فعلاً يمكن للإنسان أن يستخدم عقله في التحليل والتفكير والتكهنات، يمكن أن تكون له آراء مختلفة ومتنوعة، إلا أن شيئًا واحدًا لا يمكن له أن يختلف بشأنه: الحقيقة. لذلك آمل أن يتسع صدر الوزير ظريف لنستذكر معًا بعض الحقائق، التي قال عنها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان إنها «أشياء عنيدة».

نختلف حول تعريف «الوهابية» ومفاهيمها المغلوطة في العالم، لكن نتفق على حقيقة أن الدستور الإيراني وحده بين دساتير العالم ينص صراحةً على تصدير الثورة، بينما ينص نظام الحكم في السعودية على أن الإسلام، وليس الوهابية، دستور البلاد. نختلف حول من أنشأ التنظيمات الإرهابية؛ «القاعدة» أو «داعش»، أو دور «الوهابية» المزعومة التي جاءت قبل 250 عامًا في زمن وظروف مختلفة، كما لم يعد يمكن أصلاً تطبيق بعض أفكارها، لكننا نتفق على حقيقة أن إيران هي التي أنشأت وموّلت وسلّحت، وبشكل رسمي، ما يسمى «حزب الله». نختلف حول من يقف مع الإرهاب من دول العالم ومن يقف ضده، لكن نتفق على حقيقة أن إيران لا تزال، وفق تصنيف وزارة الخارجية الأميركية، دولة إرهابية. نختلف حول من ينتهك القانون الدولي، من دول العالم، ومن لا يفعل، لكن نتفق على حقيقة أن إيران وحدها هاجمت بعثات 12 سفارة على أراضيها. بالتأكيد مساحة هذه المقالة لا تسمح بتعداد المزيد من الحقائق، وليس الآراء، التي تثبت أن باع الحكومة الإيرانية طويل في المضي في دعم الإرهاب الدولي، بعيدًا عن «فوبيا الوهابية» المضللة، كما استخدمها السيد ظريف.

وما دام حديثنا عن «القاعدة» التي ضرب بها المثل السيد ظريف، فلا بد من التذكير بأن أول وثاني وعاشر عملية إرهابية قامت بها «القاعدة» كانت ضد السعودية، وليست ضد أي دولة أخرى، وعندما جرت تفجيرات مجمعات سكنية يرتادها الأجانب في الرياض عام 2003، جاءت إشارة التنفيذ من القائد في «القاعدة» سيف العدل، الذي كان مقيمًا وقتها في إيران (وفق تسجيلات هاتفية موثقة)، وكانت السلطات الإيرانية قد رفضت تسليم سيف العدل للسعودية قبل العمليات الإرهابية، ولعلنا نشير هنا إلى أن علاقة إيران بـ«القاعدة» لم تكن علاقة طارئة في ظروف معينة، وتحديدًا، بعد هروب عناصر «القاعدة» من أفغانستان سنة 2001، ولكنها أقدم وأعمق من ذلك بكثير.
ويكفي أن نذكر أنه في عام واحد مع نجاح ثورة الخميني عام 1979، كان التوحّد الأول لتنظيم «الجهاد» المصري واحتجاجات عناصره ضد استضافة الرئيس المصري الراحل أنور السادات للشاه محمد رضا بهلوي في العام نفسه، ثم اغتيال السادات وتخليد نظام الخميني اسم قاتله خالد الإسلامبولي حتى اليوم. وربما أكبر دليل على هذه العلاقة المريبة، إصدار محكمة، في نيويورك، في مارس (آذار) الماضي، قرارًا يدين إيران لتورطها بهجمات 11 سبتمبر (أيلول)، كما يقضي بتغريمها مبلغ 10.5 مليار دولار يصرف لأسر الضحايا الذين قتلوا في تلك الهجمات.. إنها الحقائق مرة أخرى.
قبل قدوم الثورة الإيرانية عام 1979 لم تعرف السعودية ودول الخليج العربي عملية إرهابية واحدة. قبل تلك الثورة لم يعرف مواطنو الدول الخليجية معنى مصطلح الفتنة الطائفية، ولم يسأل أحد أينها تلك «الوهابية». كانت الدول المطلة على الخليج، عربها وعجمها، تعيش دون أن تفسد السياسة الحياة الطبيعية للمجتمعات بتنوعها واختلافها ومذاهبها. كان الشعب الإيراني يعيش جنبًا إلى جنب مع جيرانه العرب مع غياب شبه تام للنفَس الطائفي، فلما جاءت الثورة الإيرانية جاء معها التطرف السني، كما هو التطرف الشيعي، الفرق أن التطرف السني تحاربه الدول المتضررة حربًا شعواء لا هوادة فيها، أما التطرف الشيعي، كما هو «حزب الله» و«الحشد الشعبي» العراقي وميليشيات أبو الفضل العباس والحوثي وغيرها من عشرات الميليشيات، فإنه يحظى بدعم كبير ورسمي من الحكومة الإيرانية، فمن يدعم آيديولوجيا الإرهاب؟ ومن الذي يحاربه يا سيد ظريف؟!