عربي وعالمي

خبيران: مشروع حظر الحجاب في فرنسا “بروباغاندا سياسية”

قال خبيران فرنسيان إنّ إعلان النائبة عن حزب “الجمهوريين” (يمين)، “فاليري بوير”، مؤخراً، اعتزامها تقديم مشروع لحظر الحجاب في شوارع البلاد، ليس سوى “مجرّد بروباغاندا سياسية”، يرمي من ورائها بعض السياسيين الفرنسيين إلى إخفاء فشلهم في حل القضايا المحورية لشعبهم.

“بوير”، النائبة عن حزب “الاتحاد من أجل حركة شعبية” في فرنسا، والذي تحوّل لاحقاً إلى حزب “الجمهوريون” (يمين/ وسط)، في منطقة دلتا الرون جنوبي البلاد، كتبت، قبل أسبوع، في تغريدة لها عبر حسابها على موقع التواصل “تويتر” تقول إن “ارتداء الحجاب يُنظر إليه على أنه مؤشّر ولاء لعدوّنا (في إشارة إلى تنظيم داعش). سأقترح نصّا لوضع حدّ له (للحجاب)، فلنحارب السلفية”.

وأضافت: “علينا المضي لأبعد من ذلك في هذا القانون، غير أن الإشكال الحقيقي هو الإرهاب. والإشكال الحقيقي يكمن في الاعتداء على النساء اللواتي يرتدين سراويل قصيرة”.

تدوينات تطرح احتمالات قوية بأن نائبة “الجمهوريين” بالدائرة الثامنة بدلتا الرون، والمنتخبة تباعا في يونيو/ حزيران 2007 وفي الشهر نفسه من عام 2012، تتجه نحو تقديم مشروع قانون لحظر ارتداء الحجاب في الشوارع الفرنسية، في خطوة تتلو منعه في المدارس.

وفي تعقيب لها على الموضوع، قالت “ستيفاني بوسال” الباحثة الفرنسية في العلوم السياسية والأنثروبولوجيا، إن “هناك حالة من الفشل العام تعاني منها الطبقة السياسية الفرنسية، وتسعى تبعاً لذلك إلى التخفي وراء مثل هذه القوانين، في حين أن أولوية الفرنسيين اليوم ليست منع الحجاب أو البوركيني، وإنما هناك أولويات عديدة ومعروفة، على رأسها العمل وارتفاع نسب البطالة”.

وتابعت في حديث للأناضول: “لا أحد منهم يتجرّأ على إخبار الفرنسيين عن الزيادة هذا الصيف، في الضرائب الموظفة عليهم، أو الترفيع في فواتير الماء والكهرباء، كما أننا لا نجد سياسياً يتحدث عن ارتفاع البطالة لهذا الشهر، أو يقدم تفسيرات أو حلول و لو نظرية لمثل هذه المسائل الشائكة والعالقة.. هناك فقط هروب إلى الأمام، وهذا ما لن يعالج –قطعا- الإشكال، بل سيزيد في تعميقه”.

مشروع القانون المحتمل يجزم مراقبون بأنه قد يقلب –في حال تفعيله- إحداثيات المشهد السياسي في فرنسا، في وقت ينوء فيه الأخير تحت ثقل سجال الهوية المتفجّر لمرة أخرى هذا الصيف حول حظر لباس السباحة الشرعي أو ما يعرف بـ “البوركيني” على عدد من الشواطئ الفرنسية. جدل كان لابدّ وأن يستثمره جزء الطبقة السياسية الفرنسية بمختلف أطيافها لتحقيق أهدافها في وقت تستعد فيه البلاد لخوض الانتخابات التمهيدية لرئاسيات 2017.

مساعي تجسّدت من خلال مواقف الكثير من القيادات في أوساط اليسار أو حتى “الحزب الاشتراكي” الحاكم نفسه، أو من اليمين الفرنسي، غير أنّ ما يجمع جميع تلك المواقف التي أيّدت حظر “البوركيني” قبل أن يلغي مجلس الدولة هذا القرار في 26 أغسطس/ آب الماضي، هو ملازمتها الحيّز النظري، وإن دعا البعض إلى تقنين المنع في نصّ قانون. لكن مع ذلك، سرعان ما تلاشت حمّى الجدل المستعر بهذا الخصوص مع صدور قرار الإلغاء من أعلى هيئة قضائية وإدارية في البلاد.

“تقنين” يرى خبراء في القانون الدستوري بفرنسا وعدد من المحللين السياسيين أنه غير قابل للتفعيل في ضوء عقبات يجمعون على وصفها بـ “غير القابلة للذوبان” نظراً لطبيعتها ذات الصلة بدستور البلاد، وصبغتها “المنتهكة لحقوق الإنسان”، و”التمييز على أساس الأديان”، وتعقّد الإجراءات في حال أرادت النائبة اللجوء إلى أعلى الهيئات القضائية في البلاد (مجلس الدولة) أو في الاتحاد الأوروبي (المحكمة الأوروبية).

“إدوارد ماران” المحامي الفرنسي والمختص في القانون الدستوري، أوضح من جانبه أن “ما سبق و أن طرحه (الرئيس السابق نيكولا) ساركوزي من قبل، و تطرحه اليوم بوير، هو مادة للدعاية السياسية الانتخابية لا أكثر”، لافتاً في حديث للأناضول إلى أن الأخيرة نائبة في البرلمان، وعلى دراية بأحكام الدستور، وتدرك بالتالي جيداً أن هذا القانون وإن حصد الأغلبية البرلمانية المطلوبة لتمريره فانه سيلاقي الرفض قبل المجلس الدستوري”.

وتوضيحا للجزئية الأخيرة، أضاف الخبير أن “مشروع القانون هذا مناف للدستور، حيث يتعارض مع مادته الأولى والتي تنصّ على أن الدولة لا تفرّق بين مواطنيها على أساس الدين أو الأصل، وبالتالي كيف يمكن للدولة نفسها أن تصدر تشريعات لفئة خاصة –المسلمات في هذه الحالة-، على أساس الدين، مع ما في كل ذلك من تمييز على أساس ديني عقائدي يتنافى بشكل كامل مع مبادئ العلمانية التي تقوم عليها الجمهورية الفرنسية”.

وتابع بالقول: “هذا القانون وإن وقع تمريره في فرنسا، فسيلاقي الرفض من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لأنّه يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يكفل حرية اختيار الإنسان شكل اللباس الذي يريد ارتداءه”.

أما عن الأطروحات التي روّج لها عدد من قيادات اليمين الفرنسي، بينهم ساركوزي، والذي قال في تصريحات إعلامية متفرقة إنه لا يرى مانعاً في تغيير الدستور لتمرير قانون يمنع الحجاب في كل الأماكن العامة و من خلاله يحظر “البوركيني” على الشواطئ العامة، فأكّد الخبيران أن العقبة الدستورية لا يمكن تجاوزها إلا من خلال اللجوء إلى تعديل الدستور، وهذا ما لا يمكن أن يحدث إلا في حال موافقة كل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان، بناء على اقتراح من رئيس الوزراء.

وفي حال الأخذ بعين الاعتبار النفي القاطع للرئيس فرانسوا أولاند لأية “تشريعات ظرفية حول البوركيني أو الإسلام”، يصبح الجزم باستحالة تمرير قانون مماثل أمراً واقعياً للغاية، وفق المصدر نفسه.

وقال أولاند في خطاب العودة السياسية في الـ 8 من سبتمبر/ أيلول الجاري، في كلمة ألقاها بالعاصمة باريس، خلال مؤتمر حول “الديمقراطية في مواجهة الإرهاب”: “لن تكون هناك تشريعات ظرفية (استثنائية)، وهي غير قابلة للتطبيق وغير دستورية في آن واحد”، في إشارة إلى الدعوات المتواترة هذا الصيف في فرنسا، من اليمين وحتى من رئيس الحكومة الإشتراكية مانويل فالس، إلى إصدار قانون جديد حول لباس البحر “البوركيني”.