أقلامهم

أقلامهم | ياسر الزعاترة يكتب: صوت الشعب المغيّب في إيران

في إيران يبدو روحاني وحكومته مثل حكومة بشار الأسد في سوريا، فالسياسة الخارجية ليست من اختصاصه، والمرشد والحرس يسيطرون على أكثر موازنة الدولة ويصرفونها دون علم الحكومة. وفيما كان روحاني يرى الاتفاق النووي إنجازا سيمنحه وتياره فرصة الصعود، جاءت الأحداث لتثبت أن الطرف الآخر لن يتنازل عن مكاسبه بسهولة.
في هذا الصراع يغيب الشعب، لاسيما أن الغالبية الساحقة من وسائل الإعلام تتبع المحافظين، ويعيش الناس رعب التعبير عن أنفسهم في مواقع التواصل التي تخضع لمراقبة صارمة، والنتيجة هي غياب صوت غالبية الشعب.
لكنك لا تعدم بين حين وآخر فرصة الاستماع لأصوات تعبر عن هواجس الشعب، عبر رسالة من هنا، أو تصريح مباشر أو غير مباشر من هناك، ومن يتابع تصريحات رفسنجاني وروحاني مثلا، سيعثر على شيء من ذلك، رغم أنهما ينخرطان أحيانا في لعبة الهجاء لخصوم إيران، وفي مقدمتهم السعودية، ويبدو أن ذلك جزءا من لعبة السياسة مع المرشد.
آخر ما سمعنا عنه في هذا السياق المتعلق بصوت الشعب المغيب هو بيان لنخب إيرانية تحت عنوان «الخطوة الأولى لإصلاح البنية السياسية في البلاد هي إصلاح السياسة الخارجية الإيرانية»، وتم نشره على موقع «كلمة» المقرب من الإصلاحيين.
يبدأ البيان بالحديث عما «لا يخفى على جميع الإيرانيين»، ممثلا في أن «البلاد تمر بأزمة عميقة في المنطقة والعالم، وهذه الأزمة متجذرة بسبب عدم الكفاءة والفساد الذي تعاني منه الجمهورية الإسلامية».
وفيما يبدو أن البيان يركز على السياسة الخارجية، فإن الواقع هو أنه يركز على تأثيرها على الوضع الداخلي أكثر، كما سنرى لاحقا.
يتحدث البيان ابتداء عن أن «الحرس الثوري دخل في لعبة خطيرة لمواجهة السعودية من خلال الدعم السياسي والاقتصادي والإعلامي والعسكري للحوثيين»، ثم تحدث عن «تقديم الدعم الكامل لنظام بشار الأسد البعثي»، وتساءل: «هل يستند هذا التدخل الواسع بسوريا على قاعدة المصالح الوطنية الإيرانية؟». ثم تحدث عن «الوجود الإيراني الواضح في العراق»، الذي «أدى إلى انتشار المواقف المعادية لإيران بين الشعب العراقي، حتى بين الشيعة». ثم تطرق إلى «الدعم الواضح وغير المشروط لحراك ونشاط المعارضة الشيعية في البحرين». ولم يتوقف عند ذلك، بل تحدث عن الدعاية التي استندت إليها هذه السياسات عبر مقولات «الدفاع عن الشيعة وأتباع أهل البيت، الدفاع عن العمق الاستراتيجي للأمن القومي الإيراني، الدفاع عن مزارات الشيعة، مواجهة مؤامرات الدول الغربية، والدفاع عن بقاء الثورة الإيرانية».
ثم وصل البيان إلى الجوهر ممثلا في التأثيرات الداخلية لهذه السياسة، حيث قال إن «الشعب الإيراني الذي يمر بأسوأ المراحل الاقتصادية غير راض عن استنزاف ميزانية الحكومة لأجل الحفاظ على النفوذ الإيراني بسوريا والعراق ولبنان واليمن، لاسيما أن هذه الأموال تدخل الخزانة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة جدا، ولا أحد يوافق على أن تذهب لدعم العناصر الأفغانية والعراقية، التي بات الجميع يعلم بأنها تشارك في الحرب السورية من أجل الأموال التي تدفعها إيران لها».
في النهاية طالب البيان «بسحب الملفات الخارجية من يد الحرس الثوري الذي أصبح يعمل كدولة داخل دولة». وبالطبع لاستحالة أن يطالب بسحبها من يد المرشد الذي يمنحها بدوره للحرس!!
قلنا، وسنعيد القول، إن على إيران أن تختار بين أن تكون دولة ذات حدود معروفة، وبين أن تكون ممثلة لمذهب وعابرة للجغرافيا، لأن ذلك ليس وصفة فوضى وحسب، بل ووصفة استنزاف لها بلا جدوى أيضا، لأن الآخرين لن يسكتوا بحال.