أقلامهم

أقلامهم | عبدالعزيز الفضلي: عندما ترقص الزلازل طرباً!

من أكثر أسباب بقاء الأمور السيئة على حالها، وعدم العمل على إصلاحها، وجود بطانة سوء تحيط بالمسؤول، تعرض له صورة الواقع على غير حقيقتها، وتُزين له المنكر، وتُقبّح في عينه الحسن، وتُبرر له الأخطاء، وتوجد له المعاذير، وتلقي اللوم في الخطأ والتقصير على غيره، وتمدحه بما ليس فيه.

قد يكون المسؤول حسن النية، لكن بطانة السوء هي التي تجعله يستمر في أخطائه، ولا تعينه على إصلاح الأمور أو تعديل الإعوجاج.

في عهد الفاطميين وقع زلزال، فقال الناس: هذا من عواقب الظلم. فقال أحد شعراء النفاق:

ما زُلْزِلتْ مصر من كيدٍ أَلَمّ بها… لكنها رقصت من عدلكم طربا

ولما وقعت إحدى رافعات البناء على حجاج بيت الله الحرام قبل سنوات وأدت إلى قتل وجرح المئات، حوّل البعض الموضوع إلى مسألة إيمانية روحانية، فبدلاً من المطالبة بمحاسبة المقصرين، أخذ ينظم الشعر قائلاً:

عجبي لرافعة رأت من حولها… تلويحة البشرى فخرّت ساجدة

طوبى لمن حازوا الشهادة تحتها… فمضوا معا لله روحا صاعدة

فرد على هذه الكلام بعض الظرفاء: ولماذا لم تسجد بقية الرافعات، أم أنهن كنّ ليبراليات؟

مللنا من مقولة: تمام يا أفندم. والتي أصبحنا نسمعها في العديد من المواقع والمناسبات، خصوصاً مع بداية العام الدراسي.

وأتساءل: هل بالفعل مدارسنا جاهزة لاستقبال المتعلمين والمتعلمات، أم أن الشكوى ما زالت متكررة من تعطل التكييف، وعدم توافر الماء النقي والبارد للشرب، ووجود الحفريات، وعدم إنجاز أعمال البناء والصيانة؟

وهل إذا تساءل كبار المسؤولين عن أوضاع المدارس – رغم عدم جهوزية العديد منها – قيل لهم: كل شيء تمام يا أفندم!

صدق النصيحة واجب، والصديق المخلص هو من يصدق في نصيحته، لا الذي يُجامل وينافق المسؤول.

كان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يطلب النصيحة ممن حوله، ويقول: «رحم الله امرءا أهدى إليّ عيوبي».

ولما نصحه بعض أصحابه في أمر، قال: «لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها».

إن الدعوة إلى النصح والتذكير وعدم المداهنة في الحق، لا تعني بكل حال: الغلظة والفضاضة والتشنيع والتشهير.

بل تعني قول الحق من دون خوف أو وجل، مع تقديمه بأحسن الأساليب، وانتقاء أفضل العبارات، ولا ننسى وصية الله تعالى لموسى وهارون – عليهما السلام – حين أرسلهما إلى فرعون، فقال لهما «فقولا له قولاً ليّناً لعلّه يتذكر أو يخشى».

ولا يمنع أن يقدم النصح والتذكير وبيان الأخطاء على انفراد، فالهدف الإصلاح وليس التشهير، لأن بعض المسؤولين قد تأخذه العزّة بالإثم حين يُنْتقد أو يُنْصح علانية.

خلاصة القول: لنوقف سيل النفاق والمجاملة، والذي يؤدي إلى تردي الأوضاع أكثر مما هي عليه ولا يُسهم في إصلاحها.

فلا تمدح شيئاً وأنت تعلم سوءه، ولا تُثْني على إنجاز وأنت علله وخلله وعيوبه، واحذر أن تكون شاهد زور.