أقلامهم

د.فيصل القاسم: لستم وطنيين بل “وطنجيين”

بما أن النظام في سوريا اعتاد على فرض كل شيء في البلاد بالقوة والبلطجة الأمنية، فقد ظهرت لنا أجيال وأجيال من السوريين تقول عكس ما تضمر توخياً للسلامة. لهذا أصبح النفاق ديدن الكثير من السوريين، فغابت الوطنية الحقيقية، وأصبح الكذب واللف والدوران والتظاهر بالوطنية شعار المرحلة. وقد ظل الكثير من السوريين، وخاصة لاعقي أحذية النظام، ظلوا ملتزمين بممارسة النفاق رغم أن غالبية السوريين حطموا جدار الصمت ودفعوا ثمناً غالياً.

وإذا أردت أن تتعرف على الوطنجية السورية على أصولها ادخل إلى صفحات الشبيحة ومؤيدي النظام اللاوطني، حيث ستشعر حتماً برغبة عارمة للتقيؤ، فهم صورة طبق الأصل عن نظامهم، يتشدقون ليل نهار بالوطنية وحب الوطن، بينما هم أكبر أعداء الوطن بدليل أن النظام الذي صدع رؤوسنا على مدى عقود بالوطنية دمر سوريا فوق رؤوس شعبها لمجرد أن الشعب طالب بأبسط حقوقه الإنسانية. لاحظوا التشابه العجيب بين النظام ومؤيديه الوطنجيين، فالطرفان يرفعان الوطنية شعاراً زائفاً ويفعلان عكسها تماماً.

أعرف شخصاً وطنجياً مغترباً من منطقتنا وقف بقوة ضد الثورة وراح يؤيد النظام بجنون ضد المتظاهرين السلميين، لكنه بدل أن يعود إلى سوريا للوقوف مع النظام و»الوطن» طلب اللجوء إلى دولة أوروبية، ومن هناك راح يملأ صفحته على فيسبوك بالأناشيد الوطنية وصور بشار الأسد والأعلام الوطنية. ولا يمر يوم إلا وتجد صفحته تعج بالمنشورات الوطنجية ومهاجمة «الخونة والعملاء والفورجيين» حسب وصفه. لو افترضنا أن ذلك الشخص وطني فعلاً وصادق في حبه للوطن، ويقف مع النظام عن قناعة، فلماذا يتعامل مع أهله وعائلته في سوريا بطريقة لا تمت للوطنية بصلة؟ كيف يكون المرء وطنياً ويموت في حب الوطن، وهو يتصرف مع عائلته بطريقة قذرة حقيرة لا علاقة لها بالوطنية لا من بعيد ولا من قريب؟

هذا الوطنجي الذي يعيش في أوروبا لم يتصل بأهله في سوريا منذ سنوات، رغم أن أمه مريضة، وأهله في حالة عوز مادي. حتى أنه لا يطمئن على أهله في مناسبات الأعياد. لم يحدث منذ سنوات أنه اتصل بأهله في سوريا أو في المهجر، فما بالك أن يرسل لهم بعض المساعدات المادية، خاصة وأن الأسعار ارتفعت بشكل رهيب في سوريا وأصبح الحصول على لقمة الخبز أمراً عسيراً. كيف نصدق أنك وطني أيها الوطنجي إذا كنت لا تهتم بأهلك القريبين، فما بالك أن تهتم بالوطن الأكبر. ألم تسمع بالقول الجميل: «الأقربون أولى بالمعروف»؟ لو كنت وطنياً حقاً لتواصلت مع أهلك في سوريا وبلاد الاغتراب على أقل تقدير، فكيف تدافع عن الوطن الأكبر وأنت تهمل الوطن الأصغر؟
الوطنية الحقيقية تبدأ من البيت، فمن كان طيباً مع أهله وذويه، سيكون طيباً مع الوطن، لكن لا يمكن لمن يدوس الوطن الصغير أن يحب الوطن الكبير أيها المنافق الوطنجي السفيه.
كما أعرف أيضاً فتاة سورية من منطقتنا تتصدى يومياً على صفحتها في فيسبوك لكل من يقول كلمة يتيمة ضد النظام، وتتهمه بالخيانة والعمالة، لا بل تنظم قصائد في حب سوريا الأسد، لكن هذه الوطنجية تآمرت مع والدتها قبل فترة ضد والدها الذي أتى بها إلى الحياة، فقد أصيب الوالد بمرض عضال، وبدل أن تهتم تلك الوطنجية بوالدها وترعاه في مرضه، قامت هي وأمها بوضع الوالد في غرفة مظلمة وأقفلتا الباب عليه، وتركتاه يموت وحيداً بلا أدنى شفقة أو رحمة، لا بل إن والدة تلك الفتاة الوطنجية تزوجت من شخص آخر وزوجها على قيد الحياة بمباركة من ابنتها الوطنجية.
أليست الوطنية الحقيقية أن نهتم بأهلنا إذا مرضوا، ونرعاهم؟ كيف نصدق أنك وطنية عندما تتعاملين مع والدك بهذه الطريقة الوحشية أيتها المنافقة؟
أما المثال الثالث فهو شخص نعرفه في فنزويلا. هذا الوطنجي بدوره ينشد قصائد غرام بحب قائد الوطن ليل نهار على صفحته، ويملأ منشوراته بالأعلام السورية وصور جيش الوطن. ومن يتابع صفحته يأخذ الانطباع أنه مستعد لأن يموت من أجل وطنه، بينما هو في الواقع لم يتصل بأهله في سوريا منذ سنوات.
يبدو أن حب الوطن أنساه أمه وأباه اللذين يكادان يموتان من الجوع بسبب الفقر وغلاء الأسعار في سوريا. لم نسمع أبداً أنه أرسل قرشاً لوالديه. فكيف نصدق أنك وطني إذا كنت تهمل أقرب الناس إليك أيها الأفاق الأسدي؟ ألا تعلم أن الوطنية من أعلى درجات الإنسانية، فكيف تكون وطنياً، وأنت تفتقر إلى أبسط الأساسيات الإنسانية؟
شتان بين الوطني و«الواطي».