كتاب سبر

مندوب روسيا في مجلس الأمن والصفعات التي استقبلها بكل خسة ونذالة

تابعت كما تابع الملايين فصول مسرحية انعقاد مجلس الأمن للتصويت على قرارين، الأول مقدم من فرنسا واسبانيا، والآخر مقدم من روسيا، وقبل التصويت تكلم عدد من المندوبين تقدمتهم كلمة وزير خارجية فرنسا (جان مارك إيرولت) صاحبة المشروع الأول قائلاً: “إذا لم نتدخل الآن سيخسر العالم حلب إلى الأبد”.
وأضاف إيرولت: “على مجلس الأمن أن يدعو لوقف القصف على حلب وإدخال المساعدات، فما يحدث في سوريا هو تكرار لعمليات التطهير العرقي”.
كما دعا مجلس الأمن لوقف ما يجري في حلب. وقال: “رئيس النظام السوري وأنصاره لا يحاربون الإرهاب وإنما يغذونه، ومن يقف مع النظام الذي يقتل شعبه عليه تحمل العواقب – في إشارة إلى روسيا – يجب ألا يفلت مرتكبو الجرائم في سوريا من العقاب.”
إلى ذلك، لفت إلى أن البعض يفرض شروطاً مسبقة قبل وقف القصف الذي يطال المدنيين – في إشارة إلى روسيا – وختم قائلاً: مشروع القرار أمامكم سيسمح بمساعدة المدنيين والتحقيق بالانتهاكات.
وبعد إجهاض روسيا للمشروع باستعمال الفيتو شن المندوب البريطاني هجوماً صاعقاً ولاذعاً على المندوب الروسي قائلاً:
إن الفيتو الروسي يمثل “العار” الذي نعلمه بشأن أعمال روسيا. وأضاف متوجهاً بكلامه للمندوب الروسي: “لا أستطيع أن أشكرك على الفيتو”. وأردف متابعاً: “على مجلس الأمن أن ينهي المهزلة التي تجري”.
وقال: “في العادة أستهل بياناتي بكلمة شكر لك سيدي الرئيس لكني اليوم لا يمكن أن أشكرك. اليوم لا يمكنني أن أشكرك، فقد رأينا للمرة الخامسة تستخدم روسيا حق النقض الفيتو بعد خمس سنوات من الصراع في سوريا استخدمتم الفيتو لتوقفوا المجلس من خلق الوحدة التي يحتاج إليها لإعطاء بارقة أمل للشعب السوري للخلاص من المعاناة. إنه فيتو مرة أخرى. هذا الفيتو قلل من احترام مجلس الأمن في عيون العالم، لا أستطيع أن أوجه لك الشكر على ذلك. آلاف النساء والأطفال والرجال محتجزون في حلب وهم لن يشكروكم أيضا، يتألمون في هذه الليلة أيضا، وليس لديهم أمل أن يشهدوا صباح يوم جديد. لقد قمتم بالتعاون مع النظام السوري لكي تقتلوا من يرغب بحل ومستقبل سلمي، إن روسيا غير ملتزمة بمسؤولياتها”.
علينا أن نرفع ذلك الحصار الذي كما لوكان من العصور الوسطي، علينا في مجلس الأمن أن نأتي معا وأن نوقف هذا العار الإنساني علينا جميعا وبشكل نهائي”.
أما المندوب الأميركي فأكد أن روسيا ونظام الأسد يدمران حلب، وأن روسيا تشارك في القتل، مردفاً: “إنه لأمر مروع”.
وأضاف: “روسيا كالعادة تطرح سيناريو مختلفا، وتلقي باللوم على الولايات المتحدة، متهمة إياها بالتلكؤ في محاربة الإرهاب، لكن الواقع أنها مجرد حجة لتبرير مساعدة نظام الأسد، وإلا لماذا يتم استهداف كل مستشفى في شرقي حلب؟ ولماذا استهدفت قافلة للمساعدات الإنسانية؟ إنها جرائم حرب”.
كما شدد على أنه لا يمكن لروسيا استخدام بضع مئات من مقاتلي النصرة من أجل تبرير قصف الآلاف من المدنيين. وأضاف: “روسيا باتت واحداً من اللاعبين الرئيسيين الذين يمارسون الإرهاب في حلب”.
لقد كان موقف المندوب الروسي وهو يتلقى كل هذه الصفعات موقف العاجز المقر بالذنب، الذي لا حيلة له إلا أن يدير وجهه يمنة ويسرة ليتلقى بكل نذالة وخسة كل هذه الصفعات.
وفي صفعة رمزية لنظام الأسد، انسحب معظم أعضاء مجلس الأمن، لا سيما دائمي العضوية، من قاعة المجلس مع بدء كلمة مندوب النظام السوري بشار الجعفري، مساء السبت، في تسجيل موقف واضح لاعتراض المجتمع الدولي على الجرائم التي يرتكبها هذا النظام لا سيما في حلب.
ولم ير الجعفري رداً مناسباً على هذا الانسحاب سوى أن يشكر “ساخراً” الأعضاء المنسحبين قائلاً: “أشكركم لأنكم بانسحابكم أعطيتموني صفة العضو الدائم مكانكم”. بعدها هنأ روسيا، حليفة النظام السوري، على ترؤسها مجلس الأمن في تلك الفترة التي وصفها بالحرجة.
أما الحديث عن مصر السيسي فشيء معيب، فقد صوت المندوب المصري، الذي من المفترض أنه يمثل العرب في مجلس الأمن، بكل صفاقة لصالح المشروع الروسي، وهذا الموقف المخجل لمصر دفع المندوب السعودي في مجلس الأمن، عبد الله المعلمي بعد تصويتها بالموافقة على المشروع الروسي حول مدينة حلب قائلًا: “كان مؤلما أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلى الموقف التوافقي العربي من موقف المندوب العربي (المصري).. وأضاف أنه يرثي موقف تلك الدول التي صوتت لصالح القرار الروسي، مؤكدا أن بلاده ستواصل دعمها للشعب السوري بكل الوسائل.
ووصف المندوب السعودي طرح روسيا مشروعا مضادا، واستخدامها الفيتو ضد مشروع القرار الفرنسي بالمهزلة، مشيرا إلى أن المشروع الروسي لم يحصد سوى أربعة أصوات.
وقال المعلمي إن بلاده وعشرات من الدول الأخرى ستوجه خطاب احتجاج لمجلس الأمن عما جرى السبت. تجدر الإشارة إلى أن مصر هي عضو غير دائم بمجلس الأمن، بينما تتولى روسيا الرئاسة الدورية للمجلس خلال الشهر الحالي.
من جهتها وصفت مندوبة دولة قطر لدى الأمم المتحدة علياء آل ثاني الموقف المصري لجهة التصويت لصالح مشروع القرار الروسي، بالمؤسف. وقالت إن المهم الآن هو التركيز على ما يمكن فعله لمواجهة فشل مجلس الأمن في حل الأزمة السورية بعد استخدام روسيا الفيتو للمرة الخامسة.
وأضافت علياء في هذا الإطار “كما قال سفير المملكة العربية السعودية.. سنتحرك ونعمل مع الدول الصديقة للشعب السوري لنعرف ما هي الخيارات الأخرى التي يمكن عملها”.
وأكدت بدورها أن خطابا سيُرفع الإثنين إلى رئيس مجلس الأمن بعد أن توقع عليه عشرات الدول، يتضمن احتجاجا على ما حدث في جلسة مجلس الأمن أمس السبت، ووصفت ما حدث من طرح مشروع مضاد واستخدام الفيتو بالمهزلة.
من جهتنا كسوريين نقول صبرنا كثيراً على جراحنا وآلامنا وأحزاننا وبان للعالم أجمع حقيقة النظام الذي يقتل مئات الألوف من مواطنيه ويدمر بنية بلاده ومدنها وبلداتها وقراها ويعتقل عشرات الآلاف ويهجر الملايين داخل البلاد وخارجها، وبات العالم أجمع يعرف كيف نشأ الإرهاب في سورية ومن نماه وباركه ودعمه، وبات يعرف بما لا يدع مجالاً للشك أن روسيا هي وراء كل ما يفعله النظام في سورية، ليس فقط بالتأييد السياسي والإعلامي واللوجستي والعسكري، بل تخطى كل ذلك إلى المشاركة في قتل السوريين وحرق المؤسسات المدنية والطبية والإغاثية والتعليمية والثقافية والتاريخية، ولا أعتقد أن العالم ينسى الدور الإيراني في دعم الأسد وتجييش الفرق المرتزقة من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان وكوريا الشمالية وروسيا للقتال معه بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط والهزيمة.
نتوجه إلى هذا العالم بكل هيئاته ودوله وتنظيماته وفعالياته أن يقف وقفة نبيلة تجاه سورية لوقف نزيف الدم والتجويع والحصار والقتل والتهجير والتعذيب، فهل سنجد عند هذا العالم وقفة مع الضمير بعد أكثر من خمس سنين عجاف تذوقها الشعب السوري وشرب كأس مراراتها وعذاباتها؟!