عربي وعالمي

السبسي: أنا ضد الإسلام السياسي.. الغنوشي: الإسلام في حالة صعود

نشرت صحيفة “القدس العربي” تصريحات للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وزعيم حزب النهضة راشد الغنوشي، وتالياً نصه:

«عدم اليقين» و«الاختلاف» و«الترقب» تخيم على الأجواء التونسية بعد مرور قرابة ست سنوات على أحداث سيدي بوزيد. لا شيء يبدو واضحا، هناك أزمة اقتصادية ومخاوف أمنية، وخلافات سياسية عميقة بين الفرقاء، ومشاكل اجتماعية، لا يبدو أي منها في طريقه إلى حل قريب.

على المستوى السياسي يتحدث الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في حوار خاص مع «القدس العربي» بافتخار عن تكريس مبادئ لم تكن موجودة في السابق، «على مدى 60 سنة كان لدينا الحزب الواحد والرئيس الواحد والرأي الواحد واليوم دخلنا في التعددية، والتعامل مع التعددية ليس مسألة سهلة لأنه ليست لدينا بالأساس ثقافة تعامل مع التعددية». وفي التوجه نفسه يقول زعيم حزب النهضة في حديث إلى «القدس العربي» إنه «خلال خمس سنوات مرت علينا 7 حكومات وهو ما يعني أن وضعنا غير مستقر، ولكن هذه الحكومات تغيرت برفع الأصابع وليس برفع الأسلحة، نحن الحكومات الوحيدة التي تتغير برفع الأصابع».

تعكس تصريحات وتوجهات ومواقف السبسي والغنوشي ما بات يعرف بـ«النموذج التونسي»، وخصوصا ضرورة التركيز على التوافق بين «النهضة» و«نداء تونس» (الطرفان يملكان نفس عدد النواب في البرلمان ـ 69 نائباـ بعد انضمام نائبين جديدين أمس إلى كتلة «نداء تونس»)، يرى الغنوشي أن «لا أحد قادر على أن يحكم وحده أو أن يقصي الآخر ..التيار التوافقي يتوسع .. معنى ذلك أن تيارات الإقصاء والاستئصال تنحسر بالتدرج والناس يكتشفون أهمية التوافق».

تبدو واضحة قدرة الرجلين على إدارة الأزمة والاتفاق على الاختلاف، وفي حين يقول السبسي الذي كان دائم الاستشهاد بآيات قرآنية خلال حديثه «أنا ضد الاسلام السياسي»، يؤكد الغنوشي أن «الإسلام في حالة صعود وسيوحِّد المنطقة».

ما يخشاه السبسي «أننا ما زلنا مهددين بالخريف، ومهددين بالإرهاب، وتونس وحدها لا تستطيع مقاومته. لدينا تجربة فريدة من نوعها لكنها ما زالت مهددة إذا لم نتغلب على الإرهاب ونطور الاقتصاد بالكيفية المطلوبة. لدينا 620 ألف عاطل عن العمل لذلك نجد التونسيين موجودين في «داعش» وبعضهم يحمل شهادات عليا وظلوا خمس سنوات دون عمل واستقطبتهم تلك التنظيمات الدولية بالمال.. لدينا أربعة آلاف تونسي في سوريا نأمل أن يتراجع هذا العدد مع الحكومة الجديدة».

المخاوف من استهداف تنظيم «الدولة الإسلامية» لتونس، تجعل العيون التونسية مشدودة نحو الشرق، حيث حدود بطول 459 كلم مع ليبيا، وتم حفر خندق، ووضع سواتر ترابية على طول 170 كلم، سرعان ما تم اختراقها. ويقوم مسلحون من حين لآخر بهجمات خاطفة عبر كمائن ضد دوريات للجيش والأمن، كما يستخدمون الألغام لتفخيخ الطرق وسط الجبال ما أوقع العشرات من القتلى والجرحى في صفوف العسكريين ورجال الأمن.

الخوف من الإرهاب أدى إلى اتخاذ وزارة الداخلية إجراءات أمنية استثنائية وأحدها يعرف باسم «اس 17»، وتعني الحصول على موافقة مسبقة من الجهات المعنية قبل السماح باجتياز الممرات الحدودية. وهو ما أدى حسب منظمات حقوقية إلى «التضييق» على عشرات الآلاف من المواطنين المغادرين والواصلين للبلاد. وهو ما خلق مخاوف لدى البعض من العودة إلى أساليب النظام السابق.

على المستوى الاجتماعي، يبدو أن الثورة كانت تعني للبعض عدم الالتزام بالقانون، بحيث يعتبر الانضباط بالنسبة لهم عودة إلى نظام الحكم السابق. ومن الظواهر التي يتحدث عنها المواطنون، عدم الالتزام بالمواعيد، تراجع العلاقات الأسرية، ازدياد حالات الطلاق، عدم التقيد بإشارات المرور، بناء عشوائي، شوارع متسخة… وكما يقول زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي «ذهب عصر التواصل والقناعة، الناس يعيشون حسب مقتضيات الحياة الحديثة. نتطلع إلى حياة مثل الفرنسيين بينما دخلنا يعود إلى الصومال. وهذا ينعكس على طموحاتنا من الثورات التي توقعنا انها ستقلب الحياة دفعة واحدة ولكن طبيعة الحياة هي تطور تدريجي، حتى الحرية التي نمارسها صرنا نضيق بها وربما صار الطلب هو قدر من الاستبداد لأننا مارسنا الحرية بقدر من الفوضى».

على الصعيد الاقتصادي، من الواضح أن الأزمة التي اندلعت بسببها الثورة تفاقمت بشكل أكبر: تزايد العجز في الميزانية، تراجع السياحة، ارتفاع نسبة البطالة، ومضاعفة الأسعار، (29٪ من التونسيين تحت خط الفقر)، انتشار التهريب (60٪ من البضائع في الأسواق مهربة)، اتساع الهوة بين طبقات المجتمع، فهناك طبقة جديدة محدودة من الأثرياء، (حسب بعض التقارير هي اليوم الأثرى في العالم العربي)، إضافة إلى تزايد الهوة بين المناطق، فأوضاع تونس الغربية أسوأ من الساحلية الشرقية، إضرابات واعتصامات تعرقل عمل المصانع (وعلى سبيل المثال، تراجع إنتاج شركة الفوسفات، وسجلت خسائر بقيمة 2.5 مليار دولار).

وفي حين تعمل حكومة يوسف الشاهد على خفض العجز في الميزانية من خلال خطة تقشف ضمن حزمة من الإصلاحات الاقتصادية تتضمن رفع الضرائب وفرض أخرى جديدة، وتقليص الدعم على السلع الأساسية وتجميد زيادة رواتب القطاع العام، يرفض اتحاد الشغل الذي يتمتع بنفوذ قوي، هذه الاقتراحات. وكان الأمين عام للاتحاد حسين العباسي، حازماً في طرحه حين شدد في حديثه لـ«القدس العربي» أنه يتعين على الحكومة البحث عن حلول بعيداً عن لقمة عيش المواطنين من الطبقتين الوسطى والضعيفة، ومن خلال التصدي للتهريب وللتهرب الضريبي. وتخوض الحكومة حاليا مفاوضات صعبة مع اتحاد الشغل لإيجاد مخرج لا يبدو سهلاً.

تونس من بين الدول القليلة التي ما زال شعبها متحمسا ومتابعا بغضب لما وصلت إليه القضية الفلسطينية، فمن البرامج الرائجة في اذاعة «تونس الثقافية» برنامج مخصص لفلسطين بعنوان «سنرجع يوما»، ومن اللافت عرض الكشك الوحيد في شارع بورقيبة علم فلسطين على الواجهة إلى جانب علم تونس. وحسب ما يقول مسؤول فإن علم فلسطين الأكثر رواجا بين الأعلام الأخرى لدى الباعة. مقابل الكشك تعرض مكتبة البلد (الأشهر في تونس) على طول واجهة رئيسية دواوين محمود درويش وتوفيق زياد وكتب إدوارد سعيد وغيرهم. زائر تونس يخرج بانطباع أنها ستتجاوز أزماتها (معظم التونسيين مقتنعون بأن بلدهم محروسة بأوليائها الصالحين الأربعة)، ويشعر أيضا أن قضية فلسطين لن تموت مهما تراجعت كأولوية في المنطقة وعلى المنابر الدولية.