أقلامهم

أقلامهم | دلع المفتي تكتب: الهجرة إلى دبي

في زيارتي الأخيرة إلى دبي، فوجئت بأعداد الشباب الكويتي الذي يعيش ويعمل في هذه المدينة الصغيرة. قد أجد أسباباً كثيرة لهجرة شباب سوريا، لبنان ومصر، وغيرها من البلدان العربية، لكنني عجزت أن أفهم هجرة الشباب الكويتي.

لم أعتقد يوماً أن الكويت ستكون بيئة طاردة لأبنائها، الكويت دولة الرفاه والدلال، حيث توفر الدولة كل سبل الراحة للمواطنين وتقريباً مجاناً.. لماذا يهاجر أبناؤها؟ سألت هذه السؤال لشاب كويتي يعيش ويعمل في دبي فكانت الإجابة مؤلمة.
يقول الشاب: هناك شعور بالإحباط واليأس في الكويت، فهم لا يقدروننا ولا يحترمون شهاداتنا. نحن تخرجنا في أفضل الجامعات وبأحسن العلامات، نقدم أوراقنا للعمل في مؤسسة أو هيئة، يشككون في شهاداتنا، يبحثون في علاماتنا والمواد التي حصلنا عليها ويرفضون تصديقها. وإن فعلوا وضعونا في السلم الوظيفي نفسه، الذي يحوي المتخرجين من المعاهد التطبيقية والدينية وغيرها. ليس هناك احترام لتعبنا وجهدنا ولا لتميزنا، فالتوظيف والمناصب تخضع للواسطة والمحسوبية، وكونك ابن عائلة فلان أو ابن قبيلة علان، هذا عدا عن ضرورة انتسابك للتيارات الدينية المعروفة التي تدعمك وتوفر لك الفرص المناسبة. أما إن حالفنا الحظ ووظفونا، وجدنا أنفسنا مرؤوسين من أشخاص لا يفقهون شيئاً في الوظيفة المنوطة بهم، فهم وصلوا الى مراكزهم، إما بالواسطة أو بنظام الترقيات بالأقدمية وليس بالكفاءة، فيزيد إحباطنا إحباطاً.
يكمل الشاب شكواه ويقول: أنا متزوج حديثاً ورزقني الله طفلة منذ ثلاثة أشهر. في الكويت لا يمكنني أن أبني حياتي وأمتلك بيتاً وأعيش باستقرار مع عائلتي الصغيرة دون مساعدة من الأهل. فاستئجار شقة سيبلع نصف راتبي، وشراء بيتٍ أو أرضٍ لأبني عليها بيتاً سيكلفني حوالي نصف المليون دينار، فمن أين لي هذا المبلغ؟! بينما في دبي يمكنني شراء منزل جديد بقرض عقاري طويل المدى يصل إلى 25 سنة عن طريق الشركات العقارية والبنوك. لا أدري لماذا لا يتم العمل بهذا النظام في الكويت؟!
الشكوى الأخيرة من الشاب الكويتي كانت عن الحياة الخاصة، يقول: ليست هناك حريات شخصية في الكويت خلافاً لما يتداول عنها. نحن نعيش حسب قوانين مجتمعية مفروضة علينا، فالتطرف الديني أصبح يدخل في ما بين الإنسان وربه وبينه وبين زوجته وأهله. يتدخلون في أفكارنا، معتقداتنا، مناهج أولادنا، لباسنا وطريقة حياتنا. يريدوننا نسخاً مكررة عنهم، نعيش كما يريدوننا أن نعيش وليس كما نريد نحن.
ثم أكمل، ما يزيد الطين بلة، ويزيدنا إحباطاً ويأساً، هو أن هناك حرباً ضد الفن والأدب والموسيقى والإبداع في الكويت. يريدون غلق المجتمع ومنع أي بارقة فرحٍ عنه. هناك شعور بالملل وإحساس بالفراغ لا يمكننا التغلب عليه إلا بالسفر. كنا نصرف نصف معاشاتنا على تذاكر الطائرات، إذ كنا نسافر إلى دبي شهرياً لحضور حفل موسيقي أو مسرحية أو مهرجان فني.. الآن نحن نعيش بينها.

3 تعليقات

أضغط هنا لإضافة تعليق