عربي وعالمي

“الساكوت” .. بلدة فلسطينية تشتاق لسكانها منذ 43 عاماً

منذ ما يزيد عن 43 عاما، لم تطأ قدمي الفلسطيني، فائق عينابوسي (75عاما)، أرض عائلته في بلدة “الساكوت” المهجّرة، بالأغوار الشمالية، في الضفة الغربية المحتلة.

لكن بعد قرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية الأخير، والقاضي بإعادة الأراضي لملاكها من سكان قريتي “الساكوت” و”القاعون”، تجدد الأمل لدى “العينابوسي” بالعودة إلى الأرض، التي ولد فيها، وعاش طفولته في ربوعها، على الضفاف الغربية لنهر الأردن.

يقف العينابوسي، برفقة عدد من أبناء بلدته المهجرة قرب عين ماء (نبع مياه) بلدته، يشير بيده تجاه تلة صغيرة قائلا “هناك بيت أبو محمود، وهناك دكان القرية، بيت والدي هناك، هنا كانت المقبرة، انظر لم يبق منها أي شئ”.

يتذكر طفولته ويقول: “كنا نلهو هنا على نبع المياه، يمسح وجهه بمياه النبع، ويشرب منها”.

يتنهد ويقول: “العام 1967 هدم الجيش الإسرائيلي بلدتنا، وهجّرنا قصراً، تشتت السكان في البلدات المجاورة، سمح لنا باستخدام الأراضي الزراعية حتى العام 1973، حيث أعلنت منطقة عسكرية مغلقة، لقربها من الحدود الأردنية، ومنذ ذلك الحين لم نعد”.

يتفقد مزيد من أرجاء بلدته، مضيفا :”انظر لا يوجد أثر للبلدة، بضعة حجارة متناثرة، وشواهد لأضرحة”.

إلى جوار البلدة أراضِ سهلية يزرع جزء منها مستوطنون، يقول العينابوسي، :”كانت هذه الأراضي حقول خضراء، نزرعها بالحبوب والخضروات، كنا نستخدم مياه النبع ومياه نهر الأردن القريب لري مزارعنا، منتجاتنا كانت تسوق في الأردن والضفة الغربية”.

يأمل العجوز الفلسطيني (العينابوسي)، بعد قرار المحكمة الإسرائيلية، العودة من جديد لأرضه، قائلا: “تملك عائلتي نحو 117 دونماً (الدونم يساوي ألف متر مربع)، في حال نفذ قرار المحكمة وسمح لنا بالعودة سنعمل بالتأكيد على استصلاح الأراضي وزراعتها، سأعود للسكن هنا حتى لو في خيمة”.

جواد دراغمة (65 عاما)، أحد السكان المهجرين، يقول للأناضول: “تملك عائلتي نحو 220 دونماً، وبئر ارتوازي، نعيش اليوم في مدينة طوباس، لكن هذه هي أرضنا، نأمل العودة بعد هذا القرار الذي طال انتظاره، العود للسكن واستصلاح الأراضي”.

ويضيف: “حلمنا هو العودة، سنعود مزارعين نرمم البئر (الماء)، ونعيد استصلاح الأراضي، انظر هناك (يشير إلى مزرعة إسرائيلية)، هذه أرض ملك خاص لعائلتي، يزرعها المستوطن، ونمنع منها”.

بجوار نبع الماء الوحيد في البلدة، خصص الجانب الإسرائيلي بركة تجميع مياه كبيرة لري المزارع، يجلس مجموعة من الجنود المسلحين، بينما تقوم دوريات عسكرية بتمشيط الحدود الفلسطينية الأردنية.

الى الشرق من البلدة تقع الأراضي الأردنية، يقول دراغمة، :” كنا نذهب على الجمال (الإبل) لبيع بضائعنا في الأردن، نشتري ما نحتاج من تلك البلدات، حتى أن عائلات من بلدتنا تملك أراضِ في الجانب الأردني قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967″.

على أطلال الساكوت، جلس العينابوسي ودراغمة، وخاضا في حديث طويل يحمل في طياته الحنين والشوق للماضي، وحزن وعذاب الفرقة والتشتت.

مسؤول ملف الاستيطان في محافظة “طوباس والأغوار” معتز بشارات، قال للأناضول: “الجيش الإسرائيلي يسيطر على تلك الأراضي منذ العام 1967، ومنع السكان نهائياً من استغلال أراضيهم منذ العام 1973، وعام 1980 بدأ مستوطنون يهود باستغلال جزء من الأراضي لمشاريع زراعية”.

ويضيف: “إسرائيل منعت السكان من الأراضي بحجة الأمن، كونها تقع على الحدود مع الأردن، ولكن استغلالها من قبل المستوطنين يثبت أن السيطرة لدوافع اقتصادية بحتة، ترافعنا منذ عامين في المحاكم الإسرائيلية وصدر مؤخراً قرار يقضي بتسليم 5 آلاف دونم للسكان”، لكن القرار لم ينفذ حتى اليوم.

وتابع: “الجيش الإسرائيلي تدخل بأعلى المستويات، حتى أن وزير الجيش (الدفاع) الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، تدخل وطلب من المحكمة 90 يوماً للتفاوض مع المستوطنين على أراضِ تبلغ مساحتها نحو 350 دونماً يستغلونها، لتعويضهم قبل تسليم الأراضي للفلسطينيين”.

وأشار إلى أن السكان تكبدوا خسائر بالملايين، على مدى 43 عاماً من سيطرة الجيش على الأراضي، ومنع استغلالها.

من جانبه، يقول محافظة طوباس (أقصى شمالي الضفة الغربية) ربيع الخندقجي، للأناضول، إن السلطة الفلسطينية تعمل على توفير البنية التحتية للسكان من إعادة تأهيل طرق وإعادة تأهيل عين الماء، للبدء بزراعة أكبر مساحة ممكنة بالمزروعات الشتوية كالقمح والشعير، استعدادا لزراعة الخضروات.

وأضاف: “هذه المنطقة غنية جداً (..) تعد سلة غذاء الضفة الغربية، نحن نقاوم عبر الوسائل القانونية والسياسية، وهنا نقاتل بالمنجل والفأس، والجرار الزراعي، هذه أرضنا لن نتركها لهم”.

وتابع: “القيادة الفلسطينية أكدت أن الحدود الشرقية مع الأردن، هي حدود الدولة الفلسطينية، لن نقبل ببقاء الاحتلال ومستوطنيه هنا”.

ومضى: “قبل عدة أسابيع كانت هذه منطقة عسكرية مغلقة ومنطقة ألغام، الآن بعد جهد قانوني وتمسك بالأرض تم استعادتها، سيتم إعادة توزيع هذه الأراضي، حسب مخططات المساحة وكواشين (شهادات) الطابو التي يملكها المواطنون”.

ويسكن في منطقة “الأغوار”، المحاذية للحدود مع الأردن، نحو 10 آلاف فلسطيني، منهم 5 آلاف في “الأغوار الشمالية”، في خيام، وبيوت مبنية من “ألواح الصفيح”.

وتمنع إسرائيل سكان “الأغوار”، من تشييد المنازل، ويعتمدون في حياتهم على الزراعة وتربية المواشي.

وقسمت اتفاقية “أوسلو”، الضفة الغربية إلى 3 مناطق “أ” و”ب” و “ج”، وتمثل المناطق “أ” نحو 18% من مساحة الضفة الغربية، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنياً وإدارياً، أما المناطق “ب” فتمثل 21% من مساحة الضفة، وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية.

والمناطق “ج” التي تشكل 61% من مساحة الضفة تخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، ما يستلزم موافقة السلطات الإسرائيلية على أي مشاريع أو إجراءات فلسطينية بها.

وبحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الاونكتاد)، يخسر الاقتصاد الفلسطيني مبلغ 4.5 مليار دولار سنوياً، لعدم القدرة على استغلال المناطق المصنفة “ج”.