أقلامهم

أقلامهم | د.بدر الديحاني يكتب: عجز مالي وصفقات تسلُّح ضخمة!

تدّعي دول مجلس التعاون الخليجي أن هناك عجزاً فعلياً في ميزانياتها العامة، بالذات بعد انخفاض أسعار النفط في السنوات القليلة الماضية، وأنها ستقوم، كما جاء في خطهها ورؤاها الاقتصادية التي وضعتها بناء على توصيات وإملاءات مؤسسات مالية رأسمالية شهيرة مثل صندوق النقد والبنك الدوليين و”ماكينزي” ومنظمة “إرنست أند يونغ” وغيرها، بتحميل أعباء العجز المالي على كاهل “الطبقة الوسطى” والفقراء رغم عدم مسؤوليتهم عن فشل إدارة المالية العامة للدولة.

وفي الوقت الذي قامت فيه الحكومات بتنفيذ سياساتها الاقتصادية والمالية المنحازة، فإنها ماضية بدون كلل أو ملل في عقد صفقات تسلح ضخمة تستنزف الميزانية العامة، ولا يستفيد منها سِوى مصانع الأسلحة الغربية والأميركية ووكلائها المحليين، والأمثلة على ذلك كثيرة، آخرها ما ذكرته وكالة الأنباء السعودية، كما جاء في صحيفة “القبس 10 أكتوبر 2016″، من أن “الأمين العام لمجلس التعاون د.عبداللطيف الزياني قد بحث مع مساعد وزير الخارجية الأميركية فرانك روز العلاقات الخليجية الأميركية في المجالات العسكرية، والسبل الكفيلة بتعزيزها وتطويرها، في إطار الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين في مجالات التسلح”.

وفي السياق ذاته، فقد ذكرت صحيفة “القبس” (14 أكتوبر 2016) أن “وكالة التعاون الأمني الدفاعي التابعة لوزارة الدفاع الأميركية وافقت على صفقة قيمتها (194 مليون دولار) لبيع الحكومة الكويتية أنظمة رادار. وستحدد الوكالة المقاول الرئيسي بين عمالقة الدفاع (مصانع الأسلحة): لوكهيد مارتن، ونورثروب، ورايثيون”. وقبل أشهر قليلة وقعت الكويت مع إيطاليا صفقة شراء 28 طائرة “يوروفاتير” بمبلغ وقدره 9 مليارات دولار، حيث كتبت صحف إيطالية في حينه أن عمولة الوكيل المحلي هي 750 مليون دينار.

حتى لو صرفنا النظر عن تكلفة صفقات التسلُّح الضخمة التي تسبب استنزافاً للمال العام، فإن من الصعوبة بمكان التحقق من أن هناك عجزاً فعلياً في الميزانيات العامة في دول مجلس التعاون كما تدعي الحكومات، وذلك نظراً لغياب الشفافية في طريقة إدارة الثروة الوطنية، ليس في ما يتعلق بالميزانية العامة للدولة فحسب، بل أيضا بالنسبة إلى الصناديق السيادية التي لا يتم حسابها، بعكس القواعد السليمة لمالية الدولة، ضمن الميزانيات العامة، فضلاً عن أنها تُدار بسرية تامة، بحيث لا يعرف تفاصيلها وطريقة إدارتها عامة الناس فقط، بل أيضاً معظم كبار المسؤولين بالرغم من ضخامة الأصول، حيث تبلغ قيمتها، بحسب مؤسسة “أس دبليو أف” المتخصصة في استثمارات الحكومات والصناديق السيادية، في الإمارات (792 مليار دولار)، وفي السعودية (598.4 مليار دولار)، وفي الكويت (592 مليار دولار)، وقد احتلت هذه الدول المرتبات الثالثة والرابعة والخامسة على التوالي في قائمة أكبر صناديق سيادية في العالم بنهاية الربع الثالث من عام 2016.

هذا ناهيك عن الفوائد الشهرية التي تحصل عليها الحكومات نتيجة استثمار أموال الصناديق في الخارج وبالذات في أميركا والدول الأوروبية، وهي تقدر بمئات ملايين الدولارات سنوياً، فعن أي عجز مالي يتحدثون؟ ولماذا تُحمل أعباء العجز المالي، إن كان حقيقياً بالفعل، لـ”الطبقة الوسطى” والفقراء على الرغم من أنهم لا يعرفون لماذا حدث وكيف؟ وليس لديهم السلطة التي تؤهلهم لمنع حدوثه مرة أخرى؟!