أقلامهم

أقلامهم | محمد كريشان يكتب: ماذا قلت… تزوير الانتخابات الأمريكية؟!

انتخابات أمريكية مزورة؟!! هذا ما لم يتجرأ على قوله أحد من قبل.. إلا شخص واحد فقط يدعى دونالد ترامب المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة.

قالها أكثر من مرة.. لكنه لم يقدم دليلا واحدا على ما يهدد انتخابات الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. جددها قبل يومين فقط بلغة الواثق المطمئن حين كتب في حسابه في «تويتر» «بالطبع يوجد تزوير للأصوات على نطاق واسع حاليا، وقبل يوم الانتخابات»، مؤكدا في مناسبة أخرى أن «الانتخابات يجري تزويرها حتما من قبل وسائل إعلام غير أمينة ومشوهة تؤيد هيلاري، وأيضا في كثير من أماكن التصويت. أنا حزين».

لم يشرح ولم يعط مثلا واحدا ولا هو نبـّـه إلى شيء مريب يجري الإعداد له في غفلة من الجميع. لم يوضح ما إذا كان الأمر يتعلق بعبث ما في المنظومة الانتخابية التي تسير عملية التصويت، أو الفرز لاحقا، أو تجميع أصوات الولايات، أو أي شيء ذي علاقة بهذا الاستحقاق المعقد الجوانب ولكنه المعروف تفاصيله جيدا للمواطن الأمريكي وطبعا لمؤسسات المجتمع المختلفة السياسية وغيرها. أما إذا كان ترامب يقصد أن الإعلام الأمريكي منكب على صياغة و»صنع» تصويت في غير صالحه فهذا أمر قابل للنقاش.
قابل للنقاش رغم أنه بديهي، فكبرى وسائل الإعلام الأمريكية من مقروءة ومرئية غالبا ما لا تتردد في إعلان ولائها لهذا المرشح أو ذاك، مقدمة ما تراه حججا مقنعة تدفعها إلى هذا الاختيار الذي تشرع بشكل أو بآخر في «تجييش» ناعم لجمهورها في اتجاهه. هذه مثلا افتتاحية «واشنطن بوست» قبل أيام قليلة تكتب «نؤيد كلينتون ليس لسوء ترامب بل لأنها تستحق أن تقود أمريكا»… وهذه «لوس أنجلوس تايمز» تعنون متسائلة « من يحتاج إلى مناظرة أخرى كي يعرف أن ترامب لا يصلح رئيسا للولايات المتحدة؟!» وغير ذلك كثير.
إذا كان ترامب يرى أن مجرد الترويج لمنافسته والتشهير به يعتبران تزويرا فهذا من حقه، ولكنه ليس بأي حال من الأحوال بذاك التزوير بالمعنى الذي فـُــهم من كلامه حتما. إذا كان ترامب أراد أن يقول إن الإعلام في بلاده يزيف وعي الناس في الاختيار بين المرشحين.. مما يقود حتما لتزييف اختياره للمرشح المفضل لديه.. مرورا بتزييف قدرته على رمي الورقة الصحيحة في الصندوق… وصولا إلى تزييف النتائج في النهاية… إذا كان هذا فعلا ما عناه ترامب بكلامه من تزوير الانتخابات فالرجل لم يقل إلا ما هو «معروف من الانتخابات الأمريكية بالضرورة». أكثر من ذلك، مجرد وجود مرشح على شاكلة ترامب لرئاسة أكبر دولة في العالم ما هو إلا أسطع دليل على أن هذا المفهوم الخاص للتزييف ضرب عصب المجتمع الأمريكي في مقتل.
«لماذا ينكر زعماء الحزب الجمهوري ما يجري؟ (من تزوير) إنهم سذج للغاية»… هكذا عبر ترامب حانقا عما لاقته تصريحاته من استياء أو استنكار في أوساط حزبه نفسه قبل غيرهم حتى أن صحيفة «نيويورك تايمز» كتبت في افتتاحيتها أول أمس أنه « قد يكون فات الأوان بالنسبة إلى الحزب الجمهوري لإنقاذ نفسه من كارثة دونالد ترامب المتدحرجة، لكن كبار زعماء هذا الحزب ما زال أمامهم واجب رفع أصواتهم لإنقاذ البلد من خطبه المستهترة». استهجنت الصحيفة ذائعة الصيت صمت هؤلاء الزعماء وعدم تشهيرهم بقوة باتهامات ترامب بالتزوير واكتفائهم بمجرد الإعراب عن ثقتهم في النظام السياسي والانتخابي للولايات المتحدة، حتى أنها شبهت مثل هذا الموقف بمن يعاين الحريق في بيته يلتهم كل شيء وهو لا يفعل سوى الإعراب عن ثقته بأن رجال المطافئ سيصلون في الوقت المناسب!!.
تصريحات ترامب عن تزوير الانتخابات الرئاسية المقبلة قد تكون النقطة الأبرز التي ستمسكها عليه هيلاري كلينتون في مناظرة اليوم الأربعاء، الثالثة والأخيرة بينهما، لأنه لم يسبق لمرشح رئاسي أن طعن في صدقية هذه الانتخابات أو غيرها في أمريكا فهي دائما ما كانت على الدوام مبعث فخر لهم ولنظامهم السياسي. لهذا لم يتأخر الرئيس باراك أوباما نفسه من التعقيب عليها بالقول إن «في الديمقراطيات، تشارك في الانتخابات فإذا ما خسرتها تهنىء منافسك وتمضي».
وإذا كان روبي موك مدير حملة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون علق على تصريحات ترامب بالقول إن «المشاركة في الحياة الديمقراطية ولا سيما الانتخابات يجب أن تحظى بالتشجيع لا أن تتعرض للانتقاص أو الحط لأن مرشحا يخاف من الهزيمة»، فإن أي سياسي من العالم المتخلف، وبلادنا العربي في «طليعته»، سبق أن تابع عمليات تزوير الانتخابات حتى ضجر منها، من حقه أن يحتج على ترامب بالقول «حتى هذا التميز التاريخي استكثرته علينا؟!!… ماذا تركت لنا يا رجل؟!!»