كتاب سبر

حل مجلس الأمة غير دستوري

حل مجلس الأمة ليس بالأمر الجديد على الشارع السياسي الكويتي بل أجزم بأنه النكهة المعكرة لصفو الحياة السياسية فليس لهذه السلطة سوى الحل ولا أعلم المغزى الحقيقي من هذه الرغبة الدائمة.

الأمر مؤلم لمن يتصفح الدستور ويعني معانيه وماتم بتاريخ ٢٠١٦/١٠/١٦ من حل لمجلس الأمة هو مما لاشك فيه أنه حل غير دستوري من وجهة نظري لأنني أرى فيه اعتداء صارخاً على مواد الدستور ، تلك المواد التي تنظم كيفية حل مجلس الأمة عند حدوث أزمة سياسة عاصفة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بحيث لايمكن حلحلة هذه الأزمة إلا بحل إحدى السلطتين اما التنفيذية أو التشريعية.

وحتى يكون الحل مبرراً من الناحية الدستورية فلابد من بوادر أزمة سياسية لاتنتهي إلا بحل احدى السلطتين حتى لا تتعطل مرافق الدولة وتتوقف مصالح الناس، وهذا الأمر نظمة الدستور بشكل مرتب.

أولاً: بوادر الأزمة السياسة:

من حيث أن الوزير مسؤول لدى مجلس الأمة عن أعماله، فيجب عليه في هذه الحالة أن يقوم بعمله كما ينبغي، تحت رقابة مجلس الأمة، وعليه أيضاً أن يجيب على أسئلة النواب التي توجه له عن أعمال وزارتة.
فإذا تقاعس هذا الوزير في عمله أو سفهَ رأي المجلس أو استنفع كان لمجلس الأمة سلاحه الدستوري الذي يرفعة وهذا السلاح ما نصت علية المادة ١٠١ من الدستور والتي تقول:
“كل وزير مسؤول لدى مجلس الأمة عن أعمال وزارته ، واذا قرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلاً للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة ويقدم استقالته فوراً ، ولا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير إلا بناء على رغبته أو طلب موقع من عشرة أعضاء إثر مناقشة استجواب موجه إليه . ولا يجوز للمجلس أن يصدر قراره في الطلب قبل سبعة أيام من تقديمه ويكون سحب الثقة من الوزير بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس فيما عدا الوزراء ولا يشترك الوزراء في التصويت على الثقة”.

ثانياً: الأزمة السياسة:

يمكن للوضع أن يستقر بين السلطتين وتدور عجلة التعاون بينهم بإستقالة الوزير المؤزم، إلا أن الوضع من الممكن يزداد سوءاً عندما يقوم أكثر من وزير بالتقاعس في عمله وعدم تعاونه مع مجلس الأمة كعدم الرد على أسئلتهم أو الاستخفاف بتوصياتهم مثلاً.

عندها يحق للسلطة التشريعية إشهار سلاحها في وجه الحكومة وهذا السلاح هو مانصت عليه المادة ١٠٢ من الدستور والتي تقول:
“لا يتولى رئيس مجلس الوزراء أي وزارة ، ولا يطرح في مجلس الأمة موضوع الثقة به . ومع ذلك إذا رأى مجلس الأمة بالطريقة المنصوص عليها في المادة السابقة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء ، رفع الأمر إلى رئيس الدولة ، وللأمير في هذه الحالة أن يعفى رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة ، أو أن يحل مجلس الأمة . وفي حالة الحل ، إذا قرر المجلس الجديد بذات الأغلبية عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء المذكور اعتبر معتزلاً منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن ، وتشكل وزارة جديدة”.

يتلخص مماتقدم بأن حل مجلس الأمة لابد أن يكون مستنداً على نص المواد السالف ذكرها لأن الغاية من الحل هو تجنب تفاقم الأزمة السياسية والتي إذا طال أمدها ستنعكس سلباً على أمر البلاد والعباد.

الحل غير دستوري:

نصت المادة ١٠٧ من الدستور على أنه للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل ، على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى . وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل . فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن ، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد”.

وإن نحن نظرنا إلى النص السالف الذكر نجده نصاً إجرائيا يبين أداة الحل وهي المرسوم ويحتم ذكر أسباب الحل وأن لا تتكرر ذات الأسباب. كما يتضح لنا من بداية النص ذاته “للأمير أن يحل مجلس الأمة” أي أنه بمفهوم المخالفة أن للأمير حل الحكومة أيضاً.

ويتضح لنا أيضاً أن سمو الأمير ” بصفته حكماً بين السلطتين” له حل إحدى السلطتين بسبب الأزمة السياسية , إذن دور سمو الأمير وفقاً للدستور يأتي لاحقاً ، أي أن تدخله يأتي بعد حدوث الأزمة السياسية ويكون قوله الفصل في ذلك.

عدم الدستورية:

بعد عرض ماتقدم يثبت عندي أن عدم دستورية الحل يكمن في أن مرسوم حل مجلس الأمة قفز إلى المادة ١٠٧ من الدستور واستند عليها بشكل مباشر وهذا خطأ من الناحية الدستورية، لأن المادة ١٠٧ مرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة بنص المادتين ١٠١ و ١٠٢ من الدستور بمعنى أنها مجرد نتيجة لمقدمات.الأمر الذي يجعل اللجوء لها بشكل مباشر أمراً مخالفاً للدستور لأن الحل قد تم من دون حدوث أزمة سياسية مسوغه لذلك الحل .

خلاصة القول، مرسوم حل مجلس الامة الحالي هو مرسوم معرض للطعن علية أمام المحكمة الدستورية وذلك لعدم دستوريتة لإستناد المرسوم على نص المادة ١٠٧ وجعلها الأساس الذي تم البناء عليه وهذا بطبيعة الحال سيهدم ذلك البناء القاعدة تقول “إذا سقط الحامل سقط المحمول”.

وبتصوري أنه في حالة الطعن علية وهذا ورادٌ جداً فإن ذلك المرسوم لن يستطيع الصمود طويلاً وعليه سوف تبطله المحكمة الدستورية للخروج من أزمة وللدخول في أزمة جديدة.

السؤال الأخير :

من المستفيد من خلق كل هذه الفوضى المتعمدة وإلى متى ونحن نعيش في هذه الأزمات السياسية التي أرهقت الوطن والمواطن؟؟