أقلامهم

أقلامهم | دلع المفتي تكتب: الضحك الممنوع

لا أريد أن أقرأ الصحف، لا أريد أن أتابع أخبار الحروب والبؤس، لا أريد أن أرى صور الموت والخراب. أريد أن أشرب قهوتي.. أن أسمع فيروز.. أن أضحك.

كنت أتابع أولاد أختي وأخي وهم يضحكون، أطفال بين الخامسة والسابعة.. ضحك عميق من القلب بصوت عال، استمر لدقائق طويلة. حاولت ان أفهم سبب ضحكهم لكنني فشلت، ثم أنبت نفسي: لماذا تحتاجين أن تفهمي السبب، دعيهم يضحكون، فهل هناك أجمل من الضحك.؟!

تقول الدراسات إن الطفل يضحك أكثر من 300 مرة في اليوم، لكن الرقم يتراجع إلى نحو 6 ضحكات بالنسبة للمراهقين، وينخفض إلى 2.5 ضحكة لمن هم فوق الستين. رحت أتساءل ما الذي يخفض نسبة ضحكنا عندما نكبر؟ هل هو وعينا بالمآسي والعذابات حولنا؟ هل هو المشاكل الشخصية والهموم الحياتية؟ أم هو التراث الشعبي الذي جعل الضحك ممنوعاً؟
«من كثر ضحكه قلت هيبته»، «من يضحك كثيراً يبكي كثيراً»، «الضحك بلا سبب من قلة الأدب»، «كثرة الضحك تذهب الهيبة». «من يضحك اليوم يبكي غداً». هذه فقط عينة من رؤية مجتمعاتنا «الكئيبة» للضحك، وأسوأها أنه حينما نضحك نتعوذ من الشيطان، قائلين «الله يكفينا شر هذا الضحك». وقد حارب الكثير من رجال الدين، من كل الديانات، الضحك على مر السنين، فقالوا إن القهقهة من الشيطان، وأن من يضحك يبتعد عن الله، لكن حربهم تلك ليست خوفا على الدين، بل خوف على سلطتهم الجادة الجامدة التي يمكنها أن تتزعزع بضحكة.
«الضحك أفضل دواء»، هكذا يقول الأطباء؛ فالضحك شكل من أشكال التعبير عن الفرح والسعادة. وهو تعبير مباشر، واضح، ظاهر، مرئي ومسموع. والأجمل أنه معدٍ.. فأنت لا يمكنك أن تقاوم الرغبة في الضحك حين ترى أو تسمع قهقهات شخص يغرق في الضحك، وأفضل طريقة هي مشاركته.
أثبت العلم أن للضحك فوائد عديدة، لعل أهمها أنه يساعد على إفراز هرمون الأندروفين الذي يعزز الشعور بالسعادة والراحة النفسية، وهو أيضا يحمي القلب من الجلطات، يزيد من نشاط الجسم ويقوي جهاز المناعة، يرفع نسبة الأوكسجين في الدم ويساعد على التنفس، يخفف الألم، ينشط الذاكرة، ويساعد على الاسترخاء. أما النقطة التي لا يعرفها الكثيرون فهي أن الضحك يجعلك أكثر وسامة، ويزيد من تلؤلؤ عينيك، ويمنح وجهك لونا ورديا جذابا.. فهل بعد هذا كله يمكنك ألا تضحك؟
اضحكوا. ألم تشبعوا من الرعب والكآبة في واقعنا؟ ألا يكفيكم الحزن والدم والدمع في بلادنا؟ عندما تلجؤون للخيال، انتقوا الكوميديا سواء سينما، تلفزيونا، أو أدباً. اقرؤوا كتبا مضحكة، شاهدوا أفلاما ومسلسلات فكاهية، أحيطوا أنفسكم بأشخاص من ذوي الدم الخفيف والحس الساخر. (ابتعدوا عن النكديين). تذكروا ان الحياة مضحكة، واضحكوا مع وعلى أنفسكم.
تردد أمي مثلا شاميا قديما يقول «الرقص نقص والضحك مسخرة».. دعينا نرقص ونضحك يا أمي.. فكل ما حولنا يبكّي.