أقلامهم

أقلامهم | جابر الحرمي يكتب: الجزيرة.. 20 عاما من الحرية

تحتفل شبكة الجزيرة الإعلامية غدا بالذكرى الـ ” 20 ” لانطلاق قناة الجزيرة الإخبارية، أولى نسائم الحرية الإعلامية في العالم العربي، التي غيرت بمقدمها المشهد الإعلامي العربي، وحركت المياه الراكدة، وفتحت نافذة جديدة أمام المواطن العربي، الذي طالما يمم سمعه وبصره غربا، لتلقي أخبار وطنه .

لم تكن الجزيرة مجرد قناة إخبارية، بل دفعت لتكوين ثقافة جديدة لم تكن مألوفة في العالم العربي، ألا وهي ثقافة الرأي والرأي الآخر، وعمدت نحو فتح أفق جديد من الحرية الإعلامية والتعبير، والدفع نحو الإنصات لرأي المواطن العربي، الذي طالما كان صوته ” مقموعا ” لحساب صوت السلطة ” العالي “، فكان أن ترجمت على أرض الواقع ” صوت المواطن العربي “، وانحازت إلى قضاياه ـ وما أكثرها ـ في كل مكان .

طوال العقود الماضية كان الإعلام العربي متلقيا وناقلا لما يصدر عن الإعلام الغربي، دون أن يكون فاعلا في الأحداث، سواء كانت إقليمية أم قارية أم دولية، بل إن أحداثا كانت على ” مرمى حجر “، كحرب تحرير الكويت في 1991، كان مصدر الأخبار لها وسائل إعلام غربية، ولم يكن لنا بد من الاستماع لها، وانتظار نشراتها، إلى أن جاءت ” الجزيرة ” في نوفمبر 1996 والتي غيرت المعادلة، فلأول مرة يكون في العالم العربي وسيلة إعلام تكون مصدرا للخبر، ويتناقل عنها الإعلام العالمي بكل أشكاله وأطيافه أحداثا كبرى، وتكون مصدرا أولا وموثوقا للأخبار .

لم يكن بالأمر السهل المشي في ” حقل ألغام ” القضايا العربية، والتي على تماس مباشر مع الأنظمة العربية، وبالتالي فإن الحديث عنها أو انتقادها يعد من ” الكبائر ” بالنسبة للكثير من هذه الأنظمة، التي ترفض الاقتراب حتى من ” الحمى “، أو انتقاد سياستها، أو الحديث عن توجهاتها إذا ما كانت تخالف ما تعلن .. .

عبء هذا ” الحمل ” الثقيل لم تتحمله ” الجزيرة ” لحالها، إنما تحملته قطر وقيادتها، التي آمنت بحرية التعبير، وحق المواطن العربي بالحصول على المعلومة الحقيقية والشفافة بكل مصداقية وموضوعية ومهنية، وتحملت في سبيل ذلك الكثير، بما فيه سحب السفراء، وإعلان المقاطعة، والذهاب إلى أبعد من ذلك عبر ” تجييش ” الإعلام الموالي للإساءة إلى قطر، والطعن فيها، وبالرغم من ذلك كان موقف قطر وقيادتها صامدا صابرا متحملا كل تلك الضغوط، من أجل المواطن العربي، الذي يستحق تحمل ذلك، فلو لا قدر الله تراجعت القيادة القطرية عن هذا المشروع الإعلامي التنويري الانفتاحي، وتزعزع إيمانها به، لكنا اليوم نعيش في نفس فترات ما قبل ” الجزيرة “، ولظل المواطن العربي يستقي أخباره من وسائل إعلام غربية .

الحرية التي منحتها قطر لـ ” الجزيرة “، ودافعت عنها بإيمان، هي التي جعلت هذه القناة تصمد أمام كل الرياح، بل قدم أبناؤها أرواحهم من أجل الحفاظ على السياسة التحريرية، والنهج الذي خطته لنفسها، المستمد من المهنية والمصداقية، والمنحاز إلى الإنسان، وحقه في المعرفة .

دافعت ” الجزيرة ” عن الإنسان العربي، وانتصرت لقضايا الأمة، ولم تلن لها قناة، رغم الإجراءات التعسفية التي استخدمت ضدها من قبل عدد من الأنظمة العربية، التي تراوحت بين اعتقال مراسليها، وإغلاق مكاتبها، ومصادرة أدواتها، وقبل ذلك بالطبع استشهاد أبنائها، وهي تؤمن بأن الحرية تستحق من يدفع في سبيلها، ويضحي من أجلها .

حاولت دول عربية استنساخ تجربة ” الجزيرة “، سعيا لمنافستها، إلا أن كل تلك التجارب باءت بـ ” الفشل “، لسبب أبرز وهو عدم القدرة على تحمل تكلفة الحرية، سواء كان من الدول المستضيفة، أم من القناة والقائمين عليها، الذين كانوا يعيشون بين مد وجزر، لتظل ” الجزيرة ” قبلة إعلامية للمواطن العربي، ونافذة لإيصال رسالته، فلم تخذل ” الجزيرة ” أبناء أمتها، انحازت لهم، وانتصرت لقضاياهم، ودافعت عنهم في كل مكان، من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق .

يحق لـ ” الجزيرة ” والقائمين عليها وعلى رأسهم سعادة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني رئيس مجلس الإدارة، وكل منتسبيها الاحتفال بكل فخر واعتزاز بالذكرى الـ ” 20 ” لانطلاق هذه القناة .. .

واحتفال ” الجزيرة ” هو احتفال لكل إعلامي حر وشريف، يرى في الرسالة الإعلامية أنها أمانة ومصداقية ومسؤولية ..، يدافع عن القيم والمبادئ والأخلاق .. .

إننا نهنئ أنفسنا كما نهنئ ” الجزيرة ” بهذه الذكرى، فرغم كل العواصف ظلت ” الجزيرة ” شامخة، لم تتزحزح عن سياستها وخطها التحريري ومهنيتها .. فسلام عليك في ذكرى انطلاقتك الـ ” 20 .”