فن وثقافة

الباسجيل والجص والحشرج واللبن.. مواد بناء بيوت الكويتيين قديما

اتسمت بيوت أهل الكويت قديما ببساطة البناء الذي كان يعتمد على مواد أولية تستخرج أغلبها من البيئة المحيطة مثل الباسجيل والجص والحشرج واللبن إلى جانب خشب الجندل المستورد لتسقيف المنازل.
وأورد كتاب (البيت الكويتي القديم) للباحثين في التراث الشعبي محمد الخرس ومريم العقروقة أن الباسجيل كان من أبرز مواد البناء وهو نوع من أعواد البمبو الفارغة الغليظة تشق طوليا إلى شريحتين أو أكثر وتسمى الواحدة منها باسجيلة وتستعمل في تسقيف المنازل وكانت تصف متقاطعة على مسافات متقاربة فوق أخشاب الجندل وتثبت فيها بالمسامير.
وكلما ضاقت المسافات بين شرائح الباسجيل كان التسقيف أفضل وعرفت تلك المسافات باسم (عين الحمام) وكان الهدف من وضع الباسجيل على هذا النحو لإبراز بعض مظاهر الزينة في الغرفة والحيلولة دون نزول الحصير بين أخشاب الجندل بعد وضع الطين عليه.
ومن مواد البناء الأخرى المشهورة قديما مادة الجص وهي تراب كلسي يتم حرقه في مكان يقع بين دروازتي الشامية والشعب يسمى المجاص وهو عبارة عن حفر واسعة توضع فيها كميات من العرفج والقمامة ثم تشعل فيها النار ليومين تقريبا بعدها يزال الرماد ليظهر لهم الجص الأبيض الناصع.
وبعد استخراج الجص يتم جمعه ونقله إلى مكان البناء حيث يخلط بالماء تدريجيا ثم يوضع على قطعة من الخيش مع الاستمرار في تحريكه وتقليبه لئلا يجف ويتصلب وتسمى هذه العملية ب(طباخ الجص).
وإذا ما انتهى الطباخ من العملية شرع بمناولة (الأستاذ) وهو معلم البناء أو المقاول في وقتنا الحاضر ويحمل كميات قليلة بيديه وتسمى الواحدة منها (لقمة) يمسح بها جدران البيت.
وكان البناؤون قديما يستخدمون (البوه) في البناء وهو القش أو ما يتخلف عن أعمال النجارة أو عن بعض النباتات ويخلط مع الطين المعد للبناء لزيادة تماسكه وقوته.
أما الحشرج فهو قطع من الصخور الصغيرة المنتشرة على سواحل البحر كانت تجمع وتنقل على ظهور الحمير إلى أماكن العمل وتفرش على الأرض المراد تغطيتها ب(الصاروج) أو الأسمنت بهدف ضمان طول بقاء تلك التغطية وذلك إلى جانب (الحشو) وهي قطع الحجارة والصخور الصغيرة المتساقطة من عمليات التكسير التي تجمع لتسد بها ثغرات الحائط المراد ترميمه أو توضع في فراغات الجدار المبني من الصخور غير المعدة جيدا للبناء.
واستخدم أهل الكويت أيضا نفايات المنازل أو ما يسمى ب(الخمام) في البناء وكانت تجمع وتحرق لاستخراج مادة الجص منها.
كما استعمل البناؤون الرماد في البناء وهو ما يتخلف من المواد بعد احتراقها وكان يستخدم مع العناصر الأخرى في تسقيف البيت فيوضع بين طبقتي الطين التي تعلو السقف لقدرة الرماد على امتصاص مياه الأمطار المتسربة من الطبقة العليا للطين والحيلولة دون وصولها إلى طبقة الطين الأولى.
وبحسب ما ذكره الباحثان الخرس والعقروقة في كتابهما فإن الصخر كان أقوى مواد البناء وأغلاها تكلفة في ذلك الوقت وكان يستخرج من البحر عند منطقة عشيرج الواقعة غربي جون الكويت ثم ينقل بسفن خاصة تسمى (تشاله) إلى السواحل القريبة ليتم نقلها على ظهر الحمير بعد ذلك إلى المنازل المراد بناؤها.
واستخدم أيضا (الطاري) في البناء القديم وهو سائل أسود من مخلفات النفط الخام تطلى به الأخشاب لاسيما الجندل والباسجيل لحفظهما من التسوس وغزو دودة الأرضة الفتاكة.
واستعان الكويتيون ب(طين المودة) في البناء وهو طين أبيض اكتشف الناس وجوده في منطقة المقوع شرقي المدينة فكانوا ينقلونه على رؤوسهم إلى منازلهم ثم ينقعونه في الماء حتى يذوب فيه تماما ثم يدهنون غرفهم به فتبدو بيضاء ناصعة.
واستخدموا أيضا (الطين الصلبي) الذي كان يستخرج من أراض قريبة خارج سور مدينة الكويت وينقل إلى أماكن البناء حيث يعمد البناء (الأستاذ) إلى تخمير الطين بالماء بعض الوقت قبل استعماله ليسمى بعد ذلك ب(قيله).
وأشار كتاب (البيت الكويتي القديم) إلى أن أهل الكويت كانوا يستعملون (الكتش) وهو طين أصفر باهت يستخرج من عمليات الحفر التي يجريها السكان في بيوتهم كحفر البلاعات والآبار ويرمى خارج المنزل فيقبل على نقله كل من له به حاجة من الأهالي لاستخدامه في تسوية أرضيات الغرف والأحواش وزيادة ارتفاعها إلى الحد المرغوب به.
ومن أبرز أخشاب البناء قديما الجندل وهي أخشاب مستقيمة مبرومة يبلغ طول الواحدة منها حوالي ثلاثة أمتار وقطرها عشرة سنتيمترات تقريبا كانت تجلب من الهند وشرق إفريقيا وبعضها تقطع بالفؤوس ويسمى (جندل أبو طبر) وبعضها الآخر تقطع بالمنشار ويسمى (جندل أبو ميشارة) وهناك نوع آخر (جندل لامو) نسبة إلى أدغال مدينة لامو في شرق إفريقيا.
وبعد قطع أخشاب الجندل تخلص من أغصانها وأوراقها ثم تنقل إلى الكويت بالسفن لاستعمالها في البناء وتصف في أعالي جدران الغرف بمسافات متقاربة (من 10 إلى 15 سم) ويدق الباسجيل فوقها بالمسامير وقبل استعمال الجندل يطلى ب(الطاري) لحمايته من الأرضة.
وكان هناك ايضا ما يعرف ب(اللبن) وهو طين يصب في قالب خشبي يسمى (ملبن) ويترك في الشمس حتى يجف فيصبح صلبا نوعا ما ويستعمل في البناء بدل الحجارة في حالة عدم توافرها.
ولجأ الكويتيون قديما إلى (المذكر) وهو خلط الأسمنت والجص معا وإضافة الماء بالتدريج لئلا يجف الخليط بسرعة ومن ثم استعمالهما في البناء إذا أريد للمبنى أن يكون قويا وغالبا ما كان هذا الخليط يستعمل في تسوية حواشي الجدران كالنوافذ والأبواب عند استخدام الحطبة (المسطرة).