عربي وعالمي

68 عاماً من الألم

مرت علينا الذكرى الثامنة والستون لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قبل أيام، حيث صدر في العاشر من ديسمبر عام ١٩٤٨، وهي ذات السنة التي شهدت نكبة فلسطين، والتي تراجعت لدرجة أنها لم تعد موجودة ضمن اهتمامات الخريطة الدولية أو الإقليمية. في ذات السنة صدرت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تجعل من ٩ ديسمبر يوماً دولياً للتذكير بتلك الاتفاقية. كذلك ربما يكون من المفيد التنويه عن أن ٩ ديسمبر هو أيضاً اليوم العالمي لمكافحة الفساد. وربما يدفعنا ذلك للتأكيد على علاقة وطيدة وراسخة بين انتشار الفساد وانتعاش الفاسدين وبين زيادة واستفحال انتهاكات حقوق الإنسان.

في المنطقة العربية تتزايد حالة استلاب الكرامة الإنسانية وتدميرها تدميرا، وكلما فتحت بارقة أمل مهما كانت صغيرة أغلقت بأقفال تبرر ذلك القمع وتلك الاستهانة، ولعل ما يجري في سورية هو مجرد تذكير بحجم المأساة، التي ستصبح أمراً عادياً قريباً وينساها الناس.

نحن نعيش اليوم أسوأ حالة لاجئين مرت على تاريخ البشرية، ومازال العالم فاشلاً في التصدي لها، حيث بلغ عدد اللاجئين عبر زوارق الموت الناقلة لهم خلال المحيطات أكثر من ٦٥ مليون إنسان، متجاوزين بذلك حجم اللاجئين بعد الحرب العالمية الثانية. ويزيد ذلك الأمر تعقيداً حجم الأطفال فيما بينهم، حيث زاد عددهم خارج المدارس بسبب الحروب على ١٣ مليون طفل في ٥ دول عربية فقط. ولا داعي لتبيان ما يعنيه ذلك من مبررات استمرار الإرهاب، من خلال فرص تجنيد الآلاف من أولئك الشباب للقيام بعمليات قتل وتدمير لمجتمعاتهم أو غير مجتمعاتهم.

لا أظن أننا هنا نتحدث عن إجراءات وأساليب لوقف حالة الهدر الإنساني المستمرة، وحالة اللامبالاة بين البشر، فقد تبلدت الأحاسيس، ولم تعد مشاهد الدماء المسفوكة مؤثرة، اللهم إلا في حالة الشحن السياسي، فلا يظهر الاهتمام بالنزيف الإنساني، إلا عندما يكون الضحية من جماعتنا، أو مذهبنا، أو عرقنا. أما الطرف الآخر فليذهب للجحيم، ولا تختلف في ذلك أقلية عن أغلبية.

العالم كله من رأسه إلى أخمص قدميه، هذا على افتراض أن للعالم رأساً، يعاني أزمة أخلاقية، لتعامله بغرور وغطرسة مع حالة الاستلاب الإنساني السائدة في العالم، والاستمرار فيها لن يقودنا إلا إلى مزيد من الكوارث.

في الذكرى الـ٦٨ لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يهيمن على الأجواء السياسية الدولية الانغلاق، والتطرف، والتهاون مع سفك دماء الآخرين، ولا يبدو أن هناك بصيص أمل في التئام الجروح النازفة، للأبرياء. ولذا صار على دعاة السلام واحترام كرامات الإنسان أن تتضافر جهودهم وتتطور أدواتهم للتعامل مع المآسي القادمة بصورة أكثر وعياً وأكثر فعالية، وهو أمر على الرغم من صعوبته من الممكن تحقيقه.