منوعات

مواقع التواصل في الأردن: بعض الإساءات مسموحة

لم يعقّب كثير من النشطاء في مجال حرّية الرأي والتعبير هذه المرّة، على خبر إحالة محكمة أمن الدولة الأردنية، أوراق قضايا (12) متهمًا بالإساءة لضحايا اعتداء إسطنبول الإرهابي، الذي وقع في الفاتح من الشهر الحالي وعائلاتهم، إلى دائرة ادعاء عام عمان، للنظر في القضية، التي ما زالت قيد التحقيق.
وحول التهم الموجّهة للمتهمين، كشفت مصادر قضائية لـ”جيل”، أنها تتعلّق بالقدح والذم والتحقير لضحايا الاعتداء الإرهابي من الأردنيين في إسطنبول وعائلاتهم.

الهجوم البشع في تركيا، كما وُصف من قبل كثير من المعلّقين على مواقع التواصل، والذي راح ضحيته 39 شخصًا، أخذ حيزًا واسعًا في مواقع التواصل بين الأردنيين، وتصدّرت صور الضحايا وجنازاتهم صفحات الفيسبوكيين، بتعليقات متباينة.

فتاوى فيسبوكية
بينما عبّر بعضهم عن حزنهم وودعوا الضحايا بعبارات تدين كل من هو عدوٌ للفرح والحياة، أبدى البعض الآخر “شماتتهم” بالضحايا، وهو ما دفع مديرية الأمن العام الأردنية إلى “ملاحقة كل من أساء لضحايا إسطنبول”.

وعقب الهجوم الدامي، انشغل شباب أردنيون طيلة أيّام، على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصّة فيسبوك، بالنقاش حول “الحكم الشرعي” من ناحية الترحّم على الضحايا الأردنيين في الملهى التركي، فيما تواصل النقاش نفسه عبر عدة هاشتاغات على تويتر، منها #إسطنبول، و#هجوم_إسطنبول.

ولم تمض الساعات الأولى من الهجوم، حتى حرص الآلاف من المغرّدين والمعلقين الأردنيين على الشماتة و”التشفّي”.

ولعل من أشهر التعليقات المثيرة للجدل على الفضاء الافتراضي، تلك الانتقادات التي وجّهت لمن يترحّم على ضحايا الملهى، في وقت كانت الفتاوى الجاهزة تُحرّم معايدة المسيحيين بعيد “الكريسماس”، ونعت من يفعل بـ”الملحد الكافر”.

من جهة أخرى، استهجن كثير من المعلّقين هذه التهديدات التي أطلقتها الجهات الأمنية، التي تتوعّد فيها كل من يتعرّض للضحايا، في وقت تتغافل عن الإساءات الكثيرة التي توجّه للضحايا في سورية والعراق.

ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، بل تطوّر لإثارة التساؤل لدى الكثير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، حول خبر تحويل عدد من المسيئين لضحايا إسطنبول، إلى مدّعي عام محكمة أمن الدولة، وتوقيفهم من قبله، ومن ثم إحالتهم إلى القضاء المختص، حيث تساءلوا حول عدم ملاحقة وتحويل النوّاب أيضًا، الذين امتنعوا في جلسة المجلس النيابي الأردني، عن الوقوف دقيقة صمت وحداد على ضحايا الهجوم، وخاصة الضحايا الأردنيين؟

ملاحقات أمنية
كل هذا، دفع الجهات الأمنية بالفعل، لتسخير كل قدراتها التكنولوجية والمعلوماتية، لتتبّع حسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، “ارتكب القائمون عليها مخالفات قانونية تضّمنت إساءات بالغة لضحايا الهجوم الإرهابي في تركيا من الأردنيين وعائلاتهم”، وفق ما أكده لـ”جيل” مصدر أمني رفض الكشف عن هويته.

وأضاف المصدر أن الأجهزة المختصة تمكّنت من تتبّع العديد من الحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتوقيف أصحابها، حيث تم التحقيق مع 16 شخصًا بعد قيامهم بنشر تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، تتضمّن نشر معلومات من خلال الشبكة المعلوماتية، تنطوي على “ذم وشتم وتحقير” أشخاص، خلافًا لأحكام قانون الجرائم الالكترونية الأردني.

ومثلت هذه الإساءات بحسبه، “بؤرًا للفكر المنحرف والمتطرّف، وستخضع للمتابعة، ولن يتم التهاون في تطبيق القانون في حق مرتكبيها، كما لن يسمح بتكرار مثل هذه الإساءات مستقبلًا”.

لم يكن مستغربًا أن تجد ردود الأفعال كل هذه الصرامة والتشديد في الملاحقة والمتابعة، إذا علمنا أن من بين الضحايا أقرباء لمسؤولين أردنيين، كما كشف ذلك الإعلان عن أسماء الضحايا، وفق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.

يجمع كثيرون في الأردن على أن مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف منصّاتها، منحت المواطن الأردني منبرًا يتيح له طرح أفكاره وآرائه الخاصة حول مختلف القضايا، على جميع الأصعدة.

ويرى مراقبون ومتابعون للشأن المحلّي الأردني، أن تلك المنصّات، كما يحب أن يطلق عليها روّادها، رفعت سقف الحرية بطريقة غير معهودة، غير أنها لم تهب حريّة “مطلقة”، “هي مقيدة بسلاسل القانون، خاصة في ما يتعلق بتوجيه اتهامات مباشرة إلى الشخصيات العامة، أو الإساءة من خلال التحقير والذم لشخص ما”، بحسب تعبير حقوقيين.

“لا يشكك أحد في صيانة الحرية الشخصية للمواطن الأردني، وفقًا للمادة السابعة من الدستور الأردني، إلا أن الفقرة الثانية من المادة نفسها، تنصّ على جرم الاعتداء على الحقوق والحريّات العامة، أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، والمعاقبة عليها”، وفق المحامي والناشط الحقوقي كمال المشرقي.

ويوضّح المشرقي في حديث إلى “جيل”، أن مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال الفضاء الالكتروني، أغلقت باب التعرّض للشخصيات العامة والخاصة، ونشر تفاصيل عن حياتهم الشخصية بطريقة قد تسبب ضررًا معنويًا وماديًا لهم.

ويرى مختصون في شؤون الإعلام الأردني، أن انتشار التشهير على مواقع التواصل الاجتماعي، يعود إلى اعتقاد شرائح من المجتمع بأن هذه المواقع لا يطاولها القانون، وأن ما ينطبق على الحياة الواقعية لا علاقة له بالمواقع الافتراضية.

ورغم الدعوات إلى الحريّة المطلقة، وضرورة تحرير الإنترنت، والسماح بتناقل المعلومات دون أي قيود، إلا أن مسألة الإساءة والتشهير بالأشخاص، التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي، مرفوضة، وفق المختصّة في المحتوى الإلكتروني ريم المصري.

وتتفاوت عقوبة الذمّ والقدح بين عقوبة الحبس لمدة شهر والغرامة المالية، في حال طاولت شخصًا أو موظفًا عامًا، لتصل إلى سنتين في حال كان موجهًا إلى مجلس الأمة أو أحد أعضائه أثناء عمله أو إلى إحدى الهيئات الرسمية، أو المحاكم أو الإدارات العامة أو الجيش، أو إلى أي موظف أثناء قيامه بوظيفته، فيما تصل إلى ثلاث سنوات في حال طاولت الملك أو أحد أفراد عائلته، بحسب المادتين 191 و195 من قانون العقوبات.