أقلامهم

ترمب ومقاومة الإعلام

منذ تولى بيل كلينتون الرئاسة وحتى خرج منها، ظل في صراع مع وسائل الإعلام الأميركية حول ادعاءات شركات في ولايته عندما كان حاكمًا، ثم هيمنت قصة علاقته بمونيكا لوينسكي على كل الإنجازات الكبيرة التي تمت في عهده. والحال كذلك مع الرئيس المنقضية ولايته، باراك أوباما، الذي استمر خصومه يزعمون أنه ليس من مواليد الولايات المتحدة، وبالتالي ناقص الأهلية لتولي الرئاسة، وهناك من روّج أنه مسلم باطني، ولاحقه الإعلام بهذه الحكايات لسنوات

دونالد ترمب الآن يتذوق ما عرفه الرؤساء السابقون، حيث انهالت اتهامات ضده بعلاقات مشبوهة مع الروس، ويبدو أنها ستستمر هذه الحكايات التي تسوّق للإعلام وتشغل الرأي العام. ويمكن أن مشكلة ترمب مع الإعلام أنه صريح يعبر عن نفسه بلا تحفظ، وهذا ما جعله هدفًا سهلاً لسهامهم. وهو يعتقد أنه كلما كان صارمًا معهم خف هجومهم عليه، لكن النتيجة تجيء عكس ذلك.

وقد حاول مستشاروه الإعلاميون إقناعه بتجاهلهم وعدم الانسياق للأفخاخ التي ينصبونها له، لكن يبدو أنه لم يتدرب بما فيه الكفاية بعد على كبح جماحه.
هذا الإعلام، أما من حيث الاتهامات التي تلوكها وسائله، فإنها لا تبدو منطقية، تمامًا مثل اتهام أوباما بأنه زوّر شهادة ميلاده. في الولايات المتحدة اهتمام بوسائل البحث والتقصي، ويستحيل أن تمر عملية تزوير على الأجهزة المختصة. وكذلك ما يتم ترويجه ضد ترمب وعلاقاته بالروس وما قيل عن ملفات الابتزاز، تبدو قصصًا سخيفة، هدفها إحراجه أمام جمهوره. لا يعقل أن يدخل المرشح حلبة الانتخابات، مثل كل المتأهلين للمناصب الكبيرة، متورطًا في نشاطات أو التزامات معادية، دون أن يمر على رادار الأجهزة المختصة. كما أن الرئيس، الرجل الأهم في دائرة القرار، أيضًا ليس صاحب سلطة مطلقة، حيث يشاركه الحكم سلطة تشريعية قادرة على تعطيل سياساته عندما يفشل في تسويقها.

وأتوقع أن يواجه ترمب، أكثر من أي رئيس سبقه، سنوات صعبة مع الإعلام، وكذلك منظمات المجتمع المدني في قضايا المرأة والبيئة وغيرها، التي تختلف معه في قضايا مجتمعية كثيرة، وهي تملك حضورًا كبيرًا، ولها تنظيمات قادرة على شن حملات واسعة وطويلة الزمن.
أما الإعلام نفسه، فإن ما زاده شراسة وتسلطًا ليس الإعلام التقليدي، وإن كانت محطة الـ«سي إن إن» قد انخرطت في المعركة ضد ترمب بكامل أسلحتها، بل ظهور وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي ومواقعها الإخبارية، التي هي المسؤولة عن رواج الأخبار المزورة والحملات غير المسؤولة. هذه حكاية مهمة، وسأعود للحديث عنها بعد تصريحات شركة «فيسبوك» الأخيرة، عن رغبتها في إعادة تنظيم ساحة الإعلام الحالية.