عربي وعالمي

تعديل وزاري “عقابي” في الأردن: جودة أبرز المبعَدين

كان مقرراً أن يُشهر نواب الأردن، أمس الأحد، سلاحهم الرقابي، ويصوتوا، استناداً لأحكام الدستور، على طرح الثقة في وزير الداخلية، سلامة حماد. لكن ذلك لم يحدث، لأن الوزير خرج من الحكومة بعد التعديل الاضطراري الذي أجراه رئيس الوزراء الأردني، هاني الملقي، وحاز موافقة ملكية.

التعديل الوزاري ساهم في ظاهره في نزع فتيل أزمة نيابية-حكومية، أعقبت الاعتداءات الإرهابية في مدينة الكرك الجنوبية، الشهر الماضي. وكان بعض النواب قد حمّلوا الوزير المغادر منصبه، مسؤوليةَ التقصير الأمني الذي أفضى إلى مقتل 11 رجل أمن، ومدنيين، وسائحة كندية. وقدموا مذكرة لطرح الثقة به، وقد استحق موعدها الدستوري منذ يوم الجمعة الماضي. غير أن تعديل اللحظة الأخيرة أخفى وراءه إصراراً حكومياً على عدم تفعيل الدور الرقابي للمجلس، والذي تخشى الحكومات المتعاقبة، وليس حكومة الملقي فقط، من تفعيله.

وينظر النواب الذين تبنوا مذكرة حجب الثقة، بارتياح، إلى مغادرة حماد الحكومة. ويعتبرون أن الإطاحة بالرجل القوي جاءت نتيجة طبيعية لموقفهم الذي يصفه النائب عن مدينة الكرك، صداح الحباشنة، بـ”الصلب”، بدون أن يخفي أن رغبته ورغبة العديد من زملائه كانت الإطاحة بحماد تحت قبة البرلمان، لما سيكون لذلك من أثر في تغيير الصورة النمطية عن مجلس النواب الأردني لدى غالبية المواطنين، على حد قوله. وعلى الرغم من ذلك، يعتقد الحباشنة أن ما حدث مؤشر على قوة البرلمان، ورسالة للمسؤولين بأن هناك من يحاسبهم في حال قصّروا في أداء واجبهم. ويضيف أن “مذكرة طرح الثقة حق دستوري للمجلس تمسكنا به، والتعديل الوزاري حق دستوري علينا أن نحترمه”.

وكان الملقي يطمح إلى تعديل وزاري يُجريه على “نار هادئة”، حاصراً توقيته بين خيارين: إما في أعقاب إقرار الموازنة العامة لسنة 2017، والتي شرع النواب في مناقشتها، مساء أمس الأحد، على أن يصوتوا عليها نهاية الأسبوع الحالي، أو بعد القمة العربية التي تستضيفها المملكة، نهاية مارس/آذار المقبل. لكن رئيس الوزراء لم يفوت فرصة التعديل الاضطراري. وبعدما حصل على الضوء الأخضر من القصر الملكي، أجْهَزَ على من يعتبرهم خصومه في الحكومة، وأطاح “برؤوس كبيرة” دخلت نادي “العابرين للحكومات” بإسناد من مركز القوى في صنع القرار الذي يمتلك القدرة على فرض أسماء في الفريق الوزاري على رؤساء الحكومات المكلفين، كما حدث مع الملقي عند تشكيله حكومتيه الأولى والثانية.

والقوة التي امتلكها رئيس الحكومة لتنفيذ رؤيته الخاصة في التعديل الثاني على حكومته الثانية التي شكلها في 28 سبتمبر/أيلول الماضي، عبّر عنها خلال جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت السبت الماضي، وقدم خلالها الوزراء استقالتهم بناءً على طلبه، تمهيداً لإجراء التعديل الذي تم ظهر أمس الأحد. ولم يتوانَ الملقي، خلال تلك الجلسة، عن توجيه لوم قاسٍ لوزراء بعد تقديمهم الاستقالة، محوره غياب التنسيق والنميمة ونقص الولاء، وهو اللوم الذي وصل حد التوبيخ كما سرّبته، عن قصد، مصادر رسمية لوسائل الإعلام، في سلوك يبدو جديداً على رؤساء الحكومات خلال فترة التعديل الوزاري.

صحيح أن التعديل لم يحمل رسائل سياسية قوية في ما يتعلق بالوزراء الجدد، إلا أنه حمل رسائل تتعلق بالمغادرين، مفادها بأن رئيس الحكومة بات أكثرة قوة على تنفيذ سياساته من دون ممانعة من مراكز صنع القرار.

وغادر في التعديل سبعة وزراء مناصبهم، بينهم نواب الرئيس الثلاثة، وألحقت بالثامن الذي طاوله التعديل، حقيبة وزارية غير تلك التي كان يحملها قبل التعديل. ودخل الحكومة خمسة وزراء بينهم ثلاثة مخضرمون، كما شمل التعديل إلغاء وزارتين اقتصاديتين. وعاد وزير الداخلية الأسبق، البرلماني السابق، غالب الزعبي، إلى مقعده في الداخلية خلفاً لحماد، ليحمل مهمة رفع مستوى التنسيق بين الأجهزة الأمنية بعد الانتقادات الكبيرة لغياب التنسيق. وتمكن الملقي من الإطاحة بنائبه الثالث، وزير الخارجية ناصر جودة، الذي سجل أطول مدة بقاء في المنصب بشكل متواصل منذ عام 2009، إلى درجة أن المواطنين باتوا يسخرون من الوضع، قائلين إن بقاء جودة في وزارة الخارجية منصوص عليه دستورياً. وأسندت الخارجية للإعلامي، أيمن الصفدي، الذي تقلد سابقاً منصب وزير دولة لشؤون الإعلام والاتصال. وكان الملقي مهد للإطاحة بجودة باستحداث منصب وزير دولة لشؤون الخارجية، وعاد ليلغي المنصب في التعديل، لينتقل الوزير، بشر الخصاونة، لحمل حقيبة وزير دولة للشؤون القانونية.

وخرج النائب الأول، وزير التربية والتعليم، محمد الذنيبات، في التعديل الوزاري، على الرغم من الإنجازات الكبيرة التي حققها هذا الوزير خلال وجوده في منصبه. وحل مكانه أحد أعمدة تيار الدولة المدنية، عمر الرزاز، الذي ينادي بإجراء “جراحة عميقة للمناهج الدراسية لتخليصها من الفكر التكفيري”. كما خرج النائب الثاني، وزير الدولة لشؤون الاستثمار، جواد العناني، من الحكومة بعدما كان سبباً في توجيه النقد للحكومة لفشل اجتراح حلول اقتصادية بعيداً عن جيوب المواطنين. وقد ألغي بخروجه المنصب الذي كان يشغله. كما ألغي منصب وزير دولة لشؤون الاقتصاد بخروج الوزير، يوسف منصور، في التعديل الوزاري.

واستعان الملقي في التعديل بوزير سابق، البرلماني المخضرم المعروف بعدائه لتيار الإسلام السياسي، هو ممدوح العبادي، الذي أسند إليه حقيبة وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء خلفاً للمغادر فواز أرشيدات. ويعكس دخول العبادي التوازنات العشائرية والعائلية التي تحكم تشكيل الحكومات في الأردن. وقد جاء دخوله على حساب وزير الشباب “النشيط”، رامي الوريكات، الذي غادر في التعديل، ليحل مكانه الوزير، حديثة الخريشا.

والإبقاء على الوريكات كان مستحيلاً بعد دخول العبادي الذي هو والد زوجة الوريكات. وبحسب المعلومات المسربة، فإن الوريكات فضّل الانسحاب لإفساح المجال أمام العبادي، وحتى لا يتسبب بقاؤهما معاً في التشكيلة الحكومية بالانتقادات.

وعلى الرغم من حالة الانتظار والترقب التي خيّمت على الأوساط السياسية في انتظار الإعلان عن التعديل الحكومي، إلا أن ردود الأفعال عليه جاءت فاترة من قبل المواطنين، لا سيما أنهم لا يزالون تحت تأثير صدمة قرار وشيك بزيادة ضريبة المبيعات على أكثر من سلعة، بينها سلع أساسية، وفرض ضرائب إضافية على المشتقات النفطية. وهي القرارات التي لن تتغير بعد التعديل الوزاري، وسط إصرار رسمي على المضي في تطبيقها اعتباراً من فبراير/شباط المقبل، الأمر الذي يمهد لعودة الاحتجاجات الشعبية التي غابت عن المملكة منذ مطلع عام 2013، والتي استبقتها السلطات أخيراً، بتنفيذ حملة اعتقالات واسعة.