منوعات

الصحف الورقية في مصر.. الورق أثمن من الخبر

منذ اتخاذ البنك المركزي المصري قراره في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بتحرير صرف الجنيه المصري، بدا أن الأزمة التي تهدّد مستقبل الصحف الورقية في مصر ستأخذ منعطفًا خطيرًا وجادًا، بالرغم من أن بوادرها قد ظهرت منذ سنوات مع اقتحام الإنترنت وتحوّله إلى الاستخدام الشعبوي.

جريدة “الشروق” المصرية، وهي واحدة من أبرز الصحف الخاصّة في مصر، اضطرت منذ أيّام إلى إعلان اعتذار لقرائها عبر صفحتها الأولى، لاضطرارها إلى رفع سعر النسخة الورقية إلى ثلاثة جنيهات، نظرًا لارتفاع تكاليف الطباعة بنسبة 80% تقريبًا دفعة واحدة، وهو ما جعلها عاجزة عن الاستمرار بالشكل السابق. الخطوة كانت صادمة ومتوقعة في الوقت ذاته، إلا أنها بدت مجرّد بداية المسار، لارتفاع أسعار بقيّة الصحف الورقية.

تراجع الطبع
يقول رئيس النقابة العامّة للطباعة والنشر والإعلام، مجدي البدوي، في حديث إلى”جيل”، إنّ الأوضاع الاقتصادية التي خلقها تعويم الجنيه المصري ووصول قيمة الدولار إلى نحو 18 جنيهًا، ألقت بظلالها بالتأكيد على صناعة النشر والصحف الورقية في مصر. مضيفًا أنّه قبل سنوات قليلة، كان عدد النسخ الورقية المطبوعة التي تباع يوميًا يصل إلى مليون ونصف مليون نسخة، أما الآن فقد قلّت نسبة التوزيع إلى النصف تقريبًا لتصل إلى حدود 600 ألف نسخة لجميع الصحف، رغم تعدّد الصحف القومية والخاصّة والحزبية واختلاف توجهاتها، ومن المتوقّع أن النسبة قد تنخفض للنصف مرّة أخرى عقب تعويم الجنيه.

واستشهد المتحدث: “إضافة إلى ارتفاع كلفة مستلزمات الطباعة بنحو 80%، فنحن نتحدّث عن المرتّبات الثابتة للقراء، لذا فإن دفع ثلاثة جنيهات لشراء نسخة جريدة ورقية يعد الآن مجازفة كبيرة”.

يشير البدوي إلى أن الأزمة ستلقي بظلالها على الصحافيين أيضًا بشكلٍ كبير، فبعد التعويم انخفضت قيمة مرتباتهم من 60 إلى 70%، إضافة إلى أن الكثير من الصحف ستضطر رغمًا عنها إلى تحجيم نفقاتها واتباع خطّة تقشفية.

وحول الأزمة التي سيواجهها ناشرو الكتب، قال البدوي إن معرض الكتاب هذا العام يأتي في ظل ظروف قاسية وصعبة، إذ إن الكتب سيرتفع ثمنها إلى الضعف، متابعًا أنه لا بدّ من المطالبة الآن بدعم الدولة للصناعات الورقية، لأن الورق يمثل رمز ثقافة الشعب، ولا توجد دولة يمكنها أن تبني ثقافتها وتعلّم أبناءها بدون وجود تلك الصناعات، على حدّ تعبيره.

البطالة تهدد الصحافيين
منذ صدور القرار، انتفضت نقابة الصحافيين المصرية معلنةً عن تخوفاتها من تأثيره بشكلٍ عام على أوضاع الصحافيين والمؤسّسات الصحافية في مصر، والتي ستضطر إلى تسريح صحافييها وتخفيض رواتبهم ضمن خطط تقشفية مجبرة على اتخاذها.

الصحف الورقية الآن في مواجهة حتمية لا مفرّ منها، ولم يعد من الممكن تأجيل الحسم فيها، إذ تضاءلت نسبة القراء “الأوفياء” للنسخ المطبوعة إجباريًا، وارتفع عدد المتوجّهين إلى التصفّح الإلكتروني، لذا أصبح عليها الإسراع بوضع خططٍ لتطوير المحتوى وإعادة هيكلته في قوالب صحافية أكثر عمقًا وتفرّدًا وتأثيرًا، إذ لم تعد المضامين الخبرية المجرّدة والمعلومات الأوّلية، عاملًا يساعد على جذب القراء إليها.

على الصحف أيضًا، أن توسّع نطاق تفكيرها وتفكّر في آليات أكثر حداثة ربّما لم تستخدم في مصر من قبل على نطاق واسع، مثل تفعيل الاشتراكات الشهرية لجزء من محتواها الصحافي المميّز، كما أنّها لا بدّ أن تتمتّع بقدر واسع من الجرأة، يؤهلها إلى التصالح مع فكرة الإغلاق الكلّي والتحوّل إلى موقع إلكتروني وتسخير قدراتها البشرية والمادية لتطويره، وربّما يكون القرار مشجعًا بعد وقف صحيفة “الإندبندنت” لنسختها الورقية في 13 فبراير/ شباط الماضي، بالرغم من أنها لا تعاني من الظروف الصعبة التي تعاني منها الصحف في مصر.