أقلامهم

فجيعة سلمان ورسومات هيا

لقد ماتت زوجته ومعها ولدها وولده، صدق ربي عندما أسماها (مصيبة الموت).

اعتدتُ أن أقرأ بغير أحكام مسبقة، أو توقعات، أو حتى انتظار نتائج لِما اطّلعتُ عليه من كتب، أيضاً أسماء الكتاب والمؤلفين لا تمنعني من قراءة كتاب ما، عدا بعض الأطروحات التي أعتبر التطرق لقراءتها لن ينفعني وهو في بند ضياع الوقت ضمن معايير خاصة.

وقد قرأت للشيخ الدكتور سلمان العودة تقريباً أغلب كتبه، ولكن منذ أن قرأتُ كتاب «زنزانة» وكأنني أعرف هذا الرجل عن قرب.

بين الجدران الأربعة للزنزانة وسقفها وأرضيتها وجدت أديباً حُبس في جلباب «بريدة» وصحرائها، وسلاسة في استحضار المفردة من غياهب «بئر يوسف»، مع الكثير من آلام المنفى النفسي، وبوح المضطر الذي حُرم من حضور جنازة ابنه، آنذاك.

كثير من البقع المضيئة تشبهني في تلك الزنزانة، حيث رفرفة الروح إلى نافذة بعيدة وما إن يتم بلوغها بوضع جناح كسير على آخر مكلوم تكون مجرد «سراب بِقيعة يحسبه الضمآن ماء».

أيضاً المتاهات في عنوان «العادة مدى الحياة»، وكأن الوجود في «زنزانة» ليس بتيه في حد ذاته، فجاءت أحجية العودة تلوح بين مسارات الدفتين وكأنها ترفع علم الاستسلام الأبيض، و طلقة طلب النجدة الحمراء من غريق، فآن كنت أرى الشموخ وآن ألمس الانكسار، وآخر الأمل في بارقة تلوح من علٍ.

ومن عادتي الانتباه لصفحة معلومات الكتاب والنشر في الصفحة الأولى بعد الغلاف، وقرأت اسماً لم يستوقفني لأنه جديد علي وحتى كونه اسم امرأة لم أعجب من أن الشيخ العودة يعطي النساء قدراً ويستعين بهن في كتبه، خصوصاً أن بناته «غادة وآسيا» مرتبطتان معه ببعض أعماله وشؤون إدارتها.

ولكن قبل أيام عندما قرأت هذه التغريدة للشيخ «حين رحلت أدركت أنني لا استحقك، اللهم في ضيافتك وجوارك» تحت وسم: هيا السياري، وكأن ذاكرتي أصابها مَس!

تقفز لتعود في الزمن للزنزانة، لأنه آخر ما قرأت للشيخ عن قريب، تركب الأسماء وتستعيد أين قرأت هذا الاسم؟ أين ورد في الكتاب؟ عجزت عن التذكر فجلبت الزنزانة لأتصفحها فوجدته في الأولى (رسومات داخلية: هيا السياري)!

هي ذاتها زوجة الشيخ، رحمها الله وابنها، التي رسمت على جدران زنزانته بأناملها مشاعره، هي المرأة التي نثرت الظلال الرمادية فوق الحائط الورقي لتقول لنا: أعرفه أكثر من حرفه.

كم أنت رقيق القلب يا أبا معاذ، رحل ابنك مع أمه، فأوجعك الرحيلان، ولكن أنطقك فراقها (هي) الأبدي.

إنه الحب الذي ينكره على الناس أصحاب الفطر المشوبة، هو محك العلاقات وأرقاها، ورفيق المعبر الى الآخرة، وأوجه قوله جل جلاله (يحبهم ويحبونه)، الحب الذي بدأ فيه الملِك بنفسه، وما أعظمها من رسالة: أنا أحبكم يا عبادي.

لا يمكن أن يجري حبر بما يليق بالتعبير عن أثر هذا التصريح فعذراً أيها القراء الأفاضل، سأترك لكم خصوصية البوح باستشعار محبته.

@kholoudalkhames

2 تعليقات

أضغط هنا لإضافة تعليق