منوعات

سناب شات.. الشبح يطارد فيسبوك وغوغل

عندما حقق سناب شات شعبية في بداية انطلاقهِ عام 2013 ظنّ الجميع أن نجمه سيأفل ويختفي مثلما تختفي رسائله بين ليلة وضحاها، ولكنه بدلًا من ذلك أصبح وشركته واحدًا من أهم الشركات والتطبيقات إثارة للاهتمام على الساحة التكنولوجية. وعندما ستنطلق شركة سناب (الشركة التي أنتجت تطبيق سناب شات) بقيمة 20-25 بليون دولار أميركي، سيكون ظهورها الأول في السوق قريبًا جدًا من ظهور وانطلاق الشركة الصينية التجارية العملاقة علي بابا، والتي طرحت أسهمها للاكتتاب عام 2014.

أسر تطبيق سناب شات قلوب الشباب في الغربِ والشرق بمحتواه الذي يختفي بسرعة والكثير من ميزاتهِ المرحة. ومما يظهر أن سناب شات قد أقام علاقة وثيقة مع الشباب بنجاح أكثر من خصومهِ السبّاقين له في هذا المجال مثل الفيسبوك (أو خدمة المراسلة لديه، والواتساب). يتبادل الشباب فيما بينهم صوراً وفيديو لهم وهم يتقيؤون أقواس قزح أو محولين ووجوههم إلى إحدى الحيوانات. نحو 41٪ من الأميركيين الذين تراوح أعمارهم بين 18-34 يستخدمون خدمة الرسائل سريعة الزوال يوميًا، و150 مليون شخص على مستوى العالم يقضون وقتا على ذات التطبيق كذلك.

وهنا يجدر أيضًا بالشباب الكبار بالسن أيضًا أن ينتبهوا، فسناب شات تجري عددًا من التجارب لإضافتها إلى التطبيق مثل تكنولوجيا الواقع المعزز (AR) وتكنولوجيا الأجهزة القابلة للارتداء. وهناك نسبة كبيرة من الناس الذين استخدموا الـ AR على السناب شات، وتمكنوا من تركيب الصور الحاسوبية على صورهم وفيديوهاتهم.

ومن المتوقع ألا يتم وصف الشركة عند الاكتتاب كشركة إنترنت أو كشركة تواصل، وإنما كشركة كاميرا. وفعليًا لقد حقق تطبيق سناب شات ازدهاره بوصولهِ إلى جميع الكاميرات على الأجهزة الذكية، والآن تسعى الشركة إلى صناعة الكاميرات في نفس الوقت. بمعنى أن الشركة لن تبقى شركة سوفت وير وحسب، وإنما ستنتقل إلى سوق الهاردوير. ونظّارات سناب شات الشمسية والتي تدعى سبيكتاتلز، تباع الآن بـ 130$ مقابل القطعة وتستطيع تصوير الفيديو الذي يظهر في خط النظر. لقد تمكنّت شركة سناب من خطف الأنظار والألباب بهذه النظارات الطموحة والوظيفية وذات التصميم العظيم.

ويبقى هناك السؤال الأعظم، وهو كيف لهذه الشركة الجديدة أن تحقق نجاحًا وأن تخوض الاختبارات الحاسمة واحدًا تلو الآخر، وكيف لها أن تزدهر وتنجح فعليًا في عالم تسيطر فيهِ وعليهِ شركتا غوغل والفيسبوك؟

لدى سناب شات نظرة مختلفة. ففي الوقت الذي يخلق فيه الفيسبوك سجلات دائمة من حياة المستخدمين، يعمل سناب شات على مبدأ المؤقتية التحررية. وفي معظم مواقع وسائل الإعلام الاجتماعية، ينشر الناس حول إنجازاتهم إلى دائرة ضخمة من المعارف، أما على السناب شات فيتبادل الناس صورًا سخيفة لأنفسهم مع مجموعات صغيرة من الأصدقاء.

أقواس قزح
صُمم تطبيق سناب شات عام 2011 تحت اسم بيكابو، من قبل ثلاثة أعضاء من أخوية في جامعة ستانفورد: ريجي براون وبوبي ميرفي وايفان شبيغل (الآن الرئيس التنفيذي للشركة). ولم يحصل التطبيق الذي جرت إعادة تسميته لاحقًا على الضجة والعدد الكبير فيه بسرعة، فمثله مثل الفيسبوك، بقي لبعض الوقت دون أن يكتشفه أحد إلى أن اكتشفته طالبات المدارس الثانوية وبدأن باستخدامهِ ليتبادلن صورًا غير محتشمة عليهِ مع أصدقائهن وصديقاتهن.

وقد أثبت السيد شبيغل نفسه في أن يكون مبدعًا في ابتكار ميزات جديدة لتطبيق سناب شات وفي تصوره للكيفية التي يمكن أن يطوره فيها. ففي البداية، كان التطبيق يرسل رسائل بين واحد وواحد، والتي تسمح للأشخاص بإرسال رسالة إلى شخص واحد تختفي بعد أن يراها، ولكن قبل ثلاث سنوات، أطلق شبيغل ميزة تسمح للشخص أن يشارك الرسالة وينشرها مع عدد من الأصدقاء تحت اسم “Stories”، حيث يمكن للناس أن يشاركوا سلسلة من الصور ومقاطع الفيديو مع جميع أصدقائهم في نفس الوقت. وفي عام 2015، أطلق التطبيق ميزة “اكتشف”، حيث يمكّن الناشرين المحترفين من نشر مقالات ومقاطع فيديو صنعت وجهزت خصيصًا لجيل الألفية. وتوفر هذه الميزات عناصر الندرة والحاجة الملحة التي تجمع الناس بصورة متكررة.

ويمكن أيضًا رؤية التطبيق على أنه إبداعي بطرق أخرى أيضًا، فهو يسمح للمستخدمين أن يعرفوا عدد “السنابات” التي قاموا بنشرها منذ اشتراكهم بالتطبيق، وبالتالي، فإن المستخدمين سيحاولون إحراز رقمٍ عالٍ مقارنة بسنوات قضائهم في التطبيق. وكذلك لقد ابتكر التطبيق ميزة “Streaks”، والتي تسمح للمستخدمين بتتبع عدد الأيام “المتوالية” التي أرسل لهم فيها أصدقاؤهم أو هم أرسلوا لهم. وعندما وصل عدد السنابات المرسلة والمستلمة لباردن آلن البالغ من العمر 16 سنة إلى 170,000 سناب، احتاج بعض الوقت للدراسة، فاضطر وقتها أن يعطي معلومات دخوله إلى صديهِ ليستمر في إرسال السنابات بدلًا عنه في وقت دراسته.

والتأثيرات كذلك هي سمة مميزة أخرى لتطبيق السناب شات. فعندما يلتقط المستخدمون صور “سيلفي” لأنفسهم، يمكنهم تعديل مظهرهم أو التحول لحيوانٍ ما أو تغيير صور وجوههم بوجوه أصدقاءٍ آخرين أو القيام بأشياء خيالية أخرى مع تقنية التعرف على الوجه الخاصة بالتطبيق. يقول بين تومسون من شركة سترايتشري للأبحاث، إن سناب شات قد صار أكثر تطبيقات الواقع المعزز استخدامًا.

وعلى الرغم من أن تطبيق السناب شات يشجع ويدفع مستخدميه ليكونوا أكثر سخافة وغباءً، إلا أنه يأمل في أن يتم أخذه على محمل الجد في عالم الأعمال. وستحتاج شركة التطبيق إلى أن تقرر ما هو النهج الذي ينبغي أن تأخذه عند استخدام معلومات حول المستخدمين لاستهدافهم بالإعلانات، وهو ما دعاه السيد شبيغل بالشيء “غير المريح” سابقًا. والآن وعلى العكس من الماضي، فقد أشار السيد شبيغل إلى أنه مستعد للقيام بمشاركة بعض معلومات المستخدمين من أجل عملية الإعلان والتسويق وجني الأرباح للشركة.

وقد بدأت الشركة بإظهار الإعلانات في ما بين “القصص/ Stories” مقالات الناشرين ضمن “Discover”. ويمكن للعلامات التجارية أن تضع ماركتها ضمن التأثيرات الآن، فعلى سبيل المثال، قامت شركة سلسلة المطاعم الشهيرة تاكو بل بالسماح للمستخدمين بتحويل وجوههم إلى “تاكو”. ويمكن لهذه الإعلانات أن تكون مكلفة، إذ تصل تكلفة وضع التأثير الواحد ليوم واحد في أميركا من 550,000$ إلى 800,000$ ويستهلك الأمر شهورًا ليتم إعدادها. تصر شركة سناب على حفظ بعض السيطرة الإبداعية، وترفض الكثير من الإعلانات أو مشاريع الإعلانات التي تبدو كإعلان أساسي، وهو ما أغضب بعض العلامات التجارية في الماضي.

سناب شات الآن بعيد كل البعد عن كسبهِ عوائد مثل تلك التي يجنيها غوغل أو فيسبوك. فقد سيطر هذان الاثنان العام الماضي على 58% من الإعلان الرقمي وحصلوا تقريبًا على كل نمو السوق. وواحدة من أكبر وكالات الإعلان قد أنفقت 60 مليون دولار على منصة سناب شات في عام 2016 مقارنة بـ 1 بليون دولار على الفيسبوك. ومن المتوقع أن تنفق ذات الوكالة 170 مليون دولار هذى العام على السناب شات. وقد تصل عائدات السناب شات من الإعلانات لعام 2017 إلى 1 بليون دولار، أي ثلاثة أضعاف إجمالي مبيعاتها في عام 2016. يقول كريس فولمر من شركة برايس ووتر هاوس كوبرز الاستشارية إن المعلنين بالتأكيد يرحّبون بوجود بديل جديد للاحتكاريين (غوغل وفيسبوك).

ولكن هناك تساؤلات عدة حول مدى اتساع قاعدة المستخدمين عند سناب شات وما إذا كانت ستدعم تقييمات البورصة المرتفعة. وما زال على التطبيق أن يثبت أنه قادر على جذب المستخدمين الأكبر سنًا. ففي الأسواق الناشئة، يكلف استخدام الكثير من البيانات على الهواتف الذكية كثيرًا، ويستخدم تطبيق سناب شات كثيف البيانات على نطاق أقل اتساعًا. ويقول محلل الإنترنت براين ويزر إن سناب شات “لاعب ركنٍ مهمٍ”، ولكنه لن يصل يومًا ولن ينافس بحجم الفيسبوك. ولا يتوجب عليك أن تصل إلى أكثر من بليون مستخدم يوميًا لتكون شركة مهمة، ولكن سيكون على السيد شبيغل أن يكون حذرًا في ألا يبالغ في بيع جمهوره المحتمل، كما فعل تويتر عام 2013 عندما طرح أسهمه للاكتتاب ووعد بأنه “سيجذب أكبر جمهورٍ في العالم”.

لقد ركز سناب حتى الآن على الأسواق الغربية، حيث يكون المستخدمون أكثر قيمة للمعلنين، على النقيض من الفيسبوك وتويتر، واللذين يؤكدان انتشارهما العالمي. ومن المتوقع أن يشير سناب شات إلى تفاعل المستخدمين العالي مع سناب شات بدلا من نمو عدد المستخدمين الكبير الذي يستخدمه المستثمرون كوسيلة للقياس. وهذا يتطلب تحولا في التفكير عند مستثمري البورصة، والذين تم تدريبهم من قبل الفيسبوك وتويتر ولينكد إن والعديد من شركات الإنترنت الأخرى والتي تطلب عادة جمهورًا سريع النمو.

وهوامش الربح لسناب شات في خطوط الأعمال قد تكون مخيبةً للأمال أيضًا: فمن غير المرجح أن تكون سريعة مثل غوغل والفيسبوك اللذين ينجزان كل أوامر إعلانهما باستخدام البرامج التي تعمل تلقائيا، وهذا لأن إعلانات السناب تميل في كثير من الأحيان لأن تكون مصممة بشكل فردي وتعتمد على قوة مبيعات بشرية كبيرة.

وعلى السيد شبيغل أيضا أن يثبت قدرته على القيادة، إذ إن الكثير من موظفيهِ يقارنون بينه وبين الراحل ستيف جوبز في الإبداعية ورؤيته الكمالية للمنتجات. وقد يشبه جوبز بطرق أكثر سلبية أيضا، فهو كتوم ويسيطر على المعلومات بإحكام. فلا أحد غير السيد شبيغل ولا حتى مجلس الإدارة يعرف كل التفاصيل المهمة في استراتيجية الشركة وخططها المستقبلية. وهو أيضًا بعيد عن كل الموظفين، ويسافر بين مباني شركة سناب في سيارتهِ الرينج روفر السوداء مع فريق مهامٍ أمنيٍ خاص.

من غير المرجح أن تتوقف المنافسة ضد الفيسبوك وغوغل (التي تملك يوتيوب، وهو موقع فيديو على الإنترنت، والذي ينافسه السناب شات مباشرة على الدولارات الإعلانية). وقد حاول الفيسبوك شراء سناب شات عام 2013 مقابل 3 بليون دولار، ومنذ ذلك الحين، قام بنسخ العديد من ميزاتهِ المعروفة. وفي الصيف الماضي، قام تطبيق الإنستغرام المملوك من الفيسبوك بإطلاق ميزة الـ “Stories”، ويبحث الفيسبوك الآن تفعيل هذه الميزة على شبكة تواصله الاجتماعي. وفعليًا لقد انخفض استخدام الـ Stories على السناب شات بشكل ملحوظ منذ اللحظة التي أطلق فيها الإنستغرام ذات الميزة؛ وقد أدّى هذا إلى زعزعة إيمان بعض مقدسي السناب الشات والذي كانوا يظنون بأن للسناب جاذبية كافية تمنع الفيسبوك وشركات الإنترنت الأخرى بميزاتها من سرقة مستخدميه الشباب.

هذا الطرح العام يثبت أن سناب لا يزال يريد البقاء مستقلًا، وفي نفس الوقت يمكن للفيسبوك أو غول أن يشتروه. ويقول أحد الممولين المجازفين، إن هذا السبب سيمنعه من بيع أو شراء أي شيء يخص السناب شات، وينصح هذا الممول السيد شبيغل بأنه في معركة قوية ويشكل تهديدًا للعملاقين الكبيرين، وبأنه سيكون جائزة لواحد منهما لاحقًا.

وإذا أرادت شركة سناب أن تبقى على قيد الحياة كشركة مستقلة فإن عليها أن تجري بعض عمليات الاستحواذ الذكية، كما فعل الفيسبوك عن طريق شراء الإنستغرام والـ WhatsApp. وقد يكون البحث البصري فرصة على سبيل المثال، حيث يستخدم المستخدمون سناب شات في كاميراتهم لالتقاط العالم من حولهم، وعندما يشيرون بهواتفهم الذكية إلى الأشياء فقد يمكن أن تحقق الفائدة من الإعلان. فقط السيد شبيغل يعرف الخطة. ولكن في نظام الإنترنت الإيكولوجي المركز للغاية، فإن الشركات إما أن تأكل أو تؤكل؛ وسوف تُظهر لنا السنوات المقبلة ما إذا كان السناب شات مفترساً أو فريسة!